الافتتاحية

السبت الاسود في عدن..

الأحد - 25 فبراير 2018 - الساعة 06:13 م بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع : خاص


شاطئ جولد مور الذهبي تلون بالاحمر يوم امس بعد ان ضرج بدماء زائريه الابرياء.
"إلياس" و والدته انتهزا اجازة السبت للترويح عن انفسهم في اكثر السواحل العدنية جمالا وحيوية..لم يعرف ابن الرابعة عشرة وهو يلعب بانشغال امام البحر ان ثمة من سيغرقه و والدته بنهاية حزينة و قاتمة .

وبعد ان دوى انفجارين عنيفين في مديرية التواهي ، حاول الحاضرون استجماع شتاتهم و تركيزيهم لرصد حصيلة الضحايا الذين كان اغلبهم من المدنيين.


فجاة ظهر "إلياس" محمولا على سواعد احد الجنود وهو مضرج بدماءه ، وقد انحت رقبته وشجج راسه، لتجسد صورته حال مدينة بأسرها تحاول اجهزة الدولة ان تتنشلها من الموت والهلاك لكن الارهاب يصر في كل مرة على إسالة دمائها وازهاق ما تبقى فيها من حياة.



ام الياس إعتادت متابعة ابنها في كل نزهة كي لا يغيب عن نطاق رؤيتها ، وهذه المرة ظلت تتابعه باخلاص الى ذات المصير الموجع .. كانت "سميرة" اولا في قائمة الجرحى ، لكنها سرعان ما قررت الالتحاق بابنها.


عملية التواهي عكست بجلاء حجم التحولات القاسية التي اعترت العاصمة عدن، فالاماكن التي عرفها سكان المدينة كملاذ للبهجة والحياة استحالت اليوم كساحة للصراع والموت راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المدنيين.


- اهداف مركبة..


لعلها العملية الارهابية الاولى منذ تحرير عدن ، التي يقع فيها هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين، بعد ان كان الموت حليفا للعسكرين وحسب ، وهي تضرب اهم مربع امني عرف للعامة باعتباره المعقل الحصين للحراك الجنوبي بقياداته السياسية والامنية.


ورغم ثقل الخسائر البشرية لا سيما في صفوف المدنين فان الهدف الداعشي من العملية لم يكن منصبا عليها ، وان كانت في المحصلة تصب في سلته لجهة ما تحدثه من تصدعات بالغة في الصورة الرمزية لادارة الامن.


عملياتيا كان الهدف الداعشي يتوخى تكرار سيناريو عملية "البحث الجنائي" التي نفذها عناصره في نوفمبر من العام الماضي ، وتقريبا جاءت عملية التواهي على ذات المنوال : سيارتين مفخختين احدهما استهدفت مبنى جهاز مكافحة الارهاب والاخرى نقطة عسكرية امام مبنى المجلس الانتقالي ، ومن ثم ميكروباص كان على متنه مجموعة من الانغماسين حاولوا اقتحام مبنى مكافحة الارهاب لكنهم عجزوا وتمت تصفيتهم عند البوابة. 


التنظيم الارهابي اراد تحقيق هدفين مباشرين من عملية السبت : الاول تصفية عناصره الارهابية المجتجزة لدى جهاز الامن والتي مثلت بنك معلومات هام لادارة امن عدن ، تطور استخباراتيا الى تعاون وثيق مع واشنطن عبر بوابة ابوظبي ، وانتهى الى تكثيف غارات الدرونز على مواقع ومعسكرات داعش بعد ان حاول البنتاجون تحييدها متفرغا للقاعدة ،وقد اثمر هذا التعاون في اكثر من مناسبة اهمها في اكتوبر الماضي حيث قتل ٥٠ عنصرا وقياديا داعشيا في البيضاء، بعد استهداف معسكرين تدربيين تابعين لهم .

قال مسؤول عسكري امريكي ان هذا النجاح جاء بفضل مصادر معلومات محلية، وقد ايقضت هذه العملية جذوة القتل الداعشي بعد ان كان قد توارى عن الساحة لعام كامل.

كما ان التحقيق المستمر مع هذه العناصر ادى الى كشف عدد من الخلايا النائمة في محافظة عدن ، اخرها قيادي داعشي كبير جرا القاء القبض عليه في مديرية التواهي نفسها قبل شهرين تقريبا.


الهدف الثاني للعملية هو تصفية الكوادر  الفاعلة و ضرب اخر مؤسسة امنية شبه متكامله ، مثلما جرى تماما قبل ثلاثة اشهر ، اذ ما يزال اللواء شلال شايع حتى اليوم يعاني من عجز في تعويض خسارته المريرة لموظفي جهاز البحث الجنائي.


فشلت داعش بتحقيق ايا من الهدفيين ، لكن ذلك لا يمنع ان تتشابك الاهداف الجهادية المباشرة مع اجندة سياسية غير مباشرة ، سيما وان موعد العملية تزامن مع لقاء اللواء شلال شايع بوفد عن الامم المتحدة كان يعتزم فتح مكتبه في عدن وكذلك رفع وتيرة نشاطه ، والاهم من ذلك ان احدى السيارات المفخخة كانت تستهدف مبنى المجلس الانتقالي.


يضع خبراء امنيون فرضية ان هذا الاستهداف قد ياتي عمليا لاجل تشتيت انتباه القوة العسكرية عن الهدف الحقيقي ، لكنه في الوقت نفسه يبرر طرح اسئلة كثيرة حول طبيعة الاطراف التي سيسرها ضرب الحراك امنيا بعد ان هزمت امامه عسكريا وتراجعت سياسيا ، وهي ذاتها الاطراف التي توفر -بحسن او بسوء نية- غطاءا سياسيا واعلاميا للارهاب وتسارع دوما لاستثماره كحجة لاقالة شلال ومهاجمة الحزام الامني .


الاكيد ان للصراع السياسي دور محوري بما جرى اليوم ، من خلال التورط المباشر لبعض الاطراف ، او من خلال ما يعززه من اجواء استقطابية مسمومة تعمل على اخفاء الحقيقة ، او من خلال ما اسفرت عنه الخضة الامنية التي عاشتها عدن اثر المواجهات المسلحة في يناير والتي تتيح للجماعات المتطرفة هامشا اكبر للتحرك.


وقبل توجيه اصابع الاتهام السياسي ، يجب على ادارة امن عدن مراجعة اوجه القصور التي جعلتها هدفا ( وان صعبا) في اهم معاقلها.
كما ان على النخبة الجنوبية وطبقتها السياسية ان تتعاطى مع الحدث بمزيد من الاحتراف في التحليل والمتابعة ،وان تترك عنها ردود الافعال المتعصبة والتي تذهب سريعا نحو توزيع الاتهامات او اختلاق التبريرات دون الوقف عند جوهر المشكلة.