الافتتاحية

أفتتاحية البعد الرابع ..من 1967 الى2017 تغير وجه الجنوب ، فهل يتغير وعي الجنوبيين؟

اول افتتاحية لموقع البعد الرابع

الجمعة - 01 ديسمبر 2017 - الساعة 05:28 م بتوقيت اليمن ،،،

افتتاحية البعد الرابع: المحرر


نصف قرن على ثورة الاجداد التي اكتملت بطرد اخر جندي بريطاني من عدن .. نصف قرن على ولادة الاستقلال الوطني وما ترتب عليه من انجازات اقتصادية واجتماعية رفعت الجنوب الى مصاف النماذج المحتذى بها في مجالي التحديث والتنمية ، والى مستوى التجارب الاخلاقية الملهمة في المسيرة التحررية لدول العالم الثالث.

استقلال ناجز منح اهله حق السيادة وتقرير المصير ، ومنح اشقاءه بارقة الامل التي انعاشت النظام السياسي العربي بعد ان لامس مرارة النكسة واعتاب الفشل ، وافسحت المجال امام الدولة العربية المجاورة لتتخلص سريعا من وصاية الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

خمسون عاماً انقضت ،تخللتها تحولات زلزالية غيرت وجه البلاد واعادت تشكيل المنطقة ، لكنها لم تحجب ألق "الثلاثين من نوفمبر" ، وما ادخره من فاعلية تاريخية امتدت جيلاً بعد جيل لتلهم الثوار والمناضلين حتى يومنا هذا، بيد ان القراءة الموضوعية للاستقلال وما اعقبه من مراحل مفصلية ، ظلت محتجبة لمصلحة تسيس وادلجة التاريخ.


واليوم تبدو الحركة الجنوبية في امس الحاجة الى النظر - دون انفعال -الى كل ما جرى بحلوه ومره ، واستخلاص اهم العبر ؛ اولا بمراجعة تاريخ دولتها التي اسست حدود وعيها وقضيتها ؛ بدءاً من العام 1967 حين اعلن الثوار قيام "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" وكانت الارادة المستقلة والرؤية الواضحة سلاح الاجداد في صناعة انجازهم وبناء دولتهم ..
ومروراً بأحداث العام 1986 والتي اكدت بان تجاهل الخلافات البينية والحساسية الاجتماعية ومحاولات تغطيتها بالشعارات الرنانة انما يسهم في تفخيخ الاجواء السياسية لتغدو ابسط شرارة قادرة على تفجير الوضع .. ووقوفا عند وحدة العام تسعين والذي اثبتت بان المغامرات السياسية وان كانت لأهداف نبيلة فإنها لا تؤسس إلا لازمات ملغومة ومعقدة .. ووصلا الى حرب صيف 94 التي اثبتت بان الخيار العسكري ومهما بلغ انتصاره الوقتي فانه لا يصنع شرعية سياسية ، وان شعارات الوحدة وواقع الغلبة لا يبدد حقائق التاريخ والجغرافيا.

وثانيا فان على الحركة الجنوبية تقيم تجربتها الذاتية منذ العام 2007 حين تغلبت ارادة الجماهير على حيل الترغيب والترهيب التي فشلت في تقديم حلول حقيقية للمشكلات الاجتماعية .. وعند العام 2015 حين اكتشف الجنوبيون بان نزعتهم الاستقلالية لا تجعلهم في معزل عن تغيرات محيطهم الحيوي سواء في صنعاء او الرياض او ابوظبي ، وان القراءة الرشيدة لتلك المتغيرات وهضمها سياسيا وشعبيا هو السبيل الامثل لخدمة قضيتهم .. واخيراً قرارات الاقصاء في العام 2017 والتي اوضحت بان تولي السلطة التنفيذية دون تغير قواعد اللعبة السياسية يجعلها مجرد مكسب آني ، وان القضية العادلة دون تنظيم متماسك يجعلها مكشوفة الظهر ومجهولة المصير.

وفي ذكرى الثلاثين من نوفمبر لا يبدو اليوم شبيها بالبارحة .. فقد تغيرت التوزان وتبدلت الافكار وانقلبت المفاهيم ، لكن السؤال الماثل على الدوام :هل يستفيد الجنوبيون من الماضي للتحرك باتجاه المستقبل؟

الثابت لدى الجميع ان تراكمات التجربة قد فرضت نوعا من التطور على تصورات وبنى الحراك الجنوبي ، سواء من ناحيته التنظيمية ، وذلك فور اعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي" لتدخل الحالة الجنوبية في مرحلة الالتزام بعد ان عانت طويلاً من مرض الانفلاش السياسي وافة الاختراق والتفريخ .. او حتى من ناحية التحركات السياسية حيث يتجه المجلس الى تغير قواعد اللعبة بعد ان اكتفى الحراك طيلة عقد كامل بالمناداة بحق الاعتراف بقضية.

و قد كان استحضار التاريخ كوسيلة مثلى للحشد الجماهيري هو ابرز سمات الحركة الجنوبية التي لم تفوت مناسبة وطنية الا وجعلتها محطة جديدة للتعبير عن نفسها .
لكن انتصارها في 2015 وتربعها في قلب المعادلة السياسية (لما بعد عاصفة الحزم) حولها للانتقال بفعالياتها الشعبية من خانة التقليد الموسمي الى مرحلة الفعل السياسي ، وكانت ذكرى اكتوبر الماضي ابرز مثال حي في هذا السياق حيث انضوت على تحركات عملية شملت البنية الداخلية "للانتقالي".

ويبدو ان المجلس الانتقالي وبعد ان انشغل خلال الفترة السابقة باستكمال بنيانه وتوسيع دوائره ، قرر في نهاية نوفمبر استئناف معركته السياسية المحتدمة بين "الحراك" من جهة وبين قوى "الشرعية من جهة اخرى.

السيد عيدروس الزبيدي اراد من خلال كلمته في ذكرى الاستقلال ان يضع "قواعد اشتباك" جديدة يمكن تلخيصها في ثلاثة عناوين رئيسية : "الحكومة - الارهاب - التسوية".

و الاكيد ان معركة المجلس مع الحكومة ليست موضعية على الاطلاق ،"فتركيبتها الحالية لا تمثل كل القوى السياسية كما انها تتجاهل موازين القوى" بحسب ما ترى مصادر رفيعة في الانتقالي . وقد جاءت تصريحات بن دغر الاخيرة لتثبت ان التركيبة الحكومية واضافة الى عدم توازنها فإنها ايضا تفتقر الى الفاعلية والقوة ، وفي ضوء ميزان القوى الجديد يجدر التساؤل عما يطيل عمر الحكومة في وجه التصعيد الحراكي طالما وانها تفتقر الى أي قوة والى أي مشروعية.

ثانيا اكد الزبيدي التزامه التام بملف مكافحة الارهاب ، وهنا يعزز المجلس ايضا من موقعه الاقليمي كشريك محلي في تصفية اهم هاجس امني مطروح في الساحة الدولية ، والاهم هو تثمير هذه الشراكة الامنية الى شراكة سياسية تخوله تنمية استحقاقاته بما يخدم قضيته .

ولعل المجلس في سياق هذا التثمير السياسي قد اشار الى انفتاحه لأي حوارات "مع المؤسسات الدولية والدول الفاعلة ، من اجل تقديم رؤيته للحل السياسي الشامل ، بما يحقق السلام وينهي الحرب" ، وتأكيده " ان أي حل سياسي ينتقص من قضية شعب الجنوب لا يمكن ان يؤسس لأي سلام منشود في اليمن والمنطقة ، بهذا يضع المجلس معادلة هامة : الجنوب ومثلما كان سببا رئيسيا للصراع ، فانه ولابد ان يكون عنصرا فاعلا للحل ، وهي معادلة تتسق مع اجندة وافهام المجتمع الدولي الذي لا يجد نفسه معنيا بجمل التثوير الجنوبية بقدر انشغاله بموازين القوى اليمنية.

والى جانب عناوين الزبيدي الثلاثة ، فان المجلس الانتقالي وفي سياق معاركه السياسية يبدو ملزما بمراعات ثلاث اولويات ضرورية : اولا تنويع وسائل الضغط والتصعيد وعدم استنزاف قدراته التحشيدية في معارك لا يمكن حسمها إلا بأدوات سياسية .. ثانيا تجنيب عدن والجنوب أي مواجهات سياسية قوية يترتب عليها اهتزازات امنية او صدامات عسكرية مكلفة .. وثالثا الحرص على استكمال البنيان الداخلي للمجلس دون الانشغال بمعارك جانبية ، و بما يوسع من حيثيته التمثيلية ، الى جانب فتحه لمزيد من قنوات الحوار الجنوبي الجنوبي بالتوازي مع قنواته المفتوحة مع الاقليم والعالم.