أخبار وتقارير

الجهل بانواع غشاء البكارة ... كانت سببا للجرائم بدواعي الشرف

السبت - 08 ديسمبر 2018 - الساعة 12:05 ص بتوقيت اليمن ،،،


لايبرر التحقيق ارتكاب الجريمة بإثبات "الفعل الجنسي"، بل يشير إلى أن الجرائم بداعي الشرف غالبا ما ترتكب لأسباب منها علاقة المرأة مع الرجل حتى وإن لم تنطوِ على فعل جنسي، إضافة للجهل بالطبيعة "الفيزيولوجية" لجسد المرأة كما يحاول التحقيق إثباته، وارتباط ذلك بنظرة المجتمعات المحلية إلى المرأة واعتبار جسدها رمزا لشرف العائلة أو العشيرة.

في 29 من شهر تشرين الأول 2009، احتجت نساء سوريات على صدور حكم قضائي في قضية يصنفها القانون ضمن"الجرائم بداعي الشرف" كانت ضحيتها فتاة قتلها شقيقها، وارتكبت الجريمة في منزل الضحية بالعاصمة دمشق.

على خلفية ذلك أطلقت نساء سوريات بدعم من "مرصد نساء سوريا" حملة توقيع عالمية تندد بـ"الجريمة" ليصبح تاريخ إصدار الحكم المخفف بحق الجاني، يوما عالميا للتضامن مع ضحايا "جرائم الشرف".



حماية المجرم

"جرائم الشرف" كما هي معروفة في الأوساط الشعبية ليست ظاهرة جديدة في المجتمعات المحلية السورية، وقد يرتبط انتشارها أو انحسارها بسيادة القانون وزيادة الوعي الاجتماعي.

في شمالي سوريا عام 2006، دخل شاب يبلغ من العمر 28 عاما إلى غرفة شقيقته في الساعة الرابعة صباحا وقام بتوجيه 24 طعنة بالسكين إلى جسدها، بعد اتهامها بإقامة علاقة جنسية خارج دائرة الزواج.

بعد ارتكاب الجريمة توجه أحد أقرباء الجاني إلى منزل الطبيب الشرعي أحمد شيخ أحمد وطلب منه تسليم الشاب للشرطة أو لمدير المنطقة بشكل مباشر، وحمايته من مضايقات رجال الشرطة التي قد يتعرض لها.

ويتابع شيخ أحمد لموقع تلفزيون سوريا" توجهنا أنا وجاري والجاني إلى منزل مدير المنطقة وهو من محافظة الحسكة، وعندما أخبرناه بتفاصيل الجريمة مدح العميد الشاب وقال له "عفي عفي عليك غسلت عارك.. الشرطة يجون يظبطون الضبط ببيتي وتروح معزز مكرم".

ويوضح أن العميد ينتمي لأحد عشائر الجزيرة السورية، وكانت الضحية فتاة كرديةً مشهورة بجمالها في المنطقة، ويؤكد الطبيب الشرعي أن جريمة القتل بداعي الشرف ارتكبت دون وجود أي دليل يثبت ممارسة جنسية قامت بها الضحية.

يروي الطبيب أحمد شيخ أحمد لموقع تلفزيون سوريا تفاصيل جرائم وقعت في سوريا خلال سنوات عمله كطبيب شرعي، جميع الجرائم وقعت ضد "إناث" بداعي الشرف دون إثبات وجود علاقة خارج إطار الزواج، وكان الجهل بنوع غشاء البكارة سببا لحدوث الجريمة، كما أثبت "شيخ أحمد" خلال فحصه لجثث الضحايا.

عمل الطبيب الشرعي أحمد شيخ أحمد رئيسا لمنطقة منبج الصحية، ومسؤول الطبابة الشرعية في ريف حلب الشمالي حتى عام 2011.



الجهل سبب للقتل

يقول الطبيب الشرعي أحمد شيخ أحمد لموقع تلفزيون سوريا، إن "الجريمة بداعي الشرف" ترتكب غالبا من قبل الزوج أو الأخ أو الأب لإنهاء حياة فتاة أو طفلة أو امرأة وهو عمل انتقامي بحجة الشرف.

وأحيانا تقوم به "أنثى مثل الأم أو الأخت بدفع أو إجبار من الرجال، كوضع السم في الطعام أو التخلص من الضحية عن طريق الكهرباء"، وذلك ما أثبتته ضبوط الشرطة وعملية فحص الجثث التي قام بها "شيخ أحمد" خلال عمله.

ويتابع "هناك الكثير من الحالات مؤرشفة في السجلات القضائية ودائرة التحقيق بالمناطق والمحافظات السورية وأنا كشفت عن العديد من الجثث..منها جرائم بدافع الشرف والسمعة.. سأذكر بعض الحالات".

"عام 1996 في مزارع مسكنة كشفت على جثة مغدورة مع القاضي وكاتبه والطبيب الشرعي والشرطة، كانت لفتاة عمرها 17 عاما من إحدى قرى عفرين".

ويضيف "أن ذويها اتهموا الفتاة بأن لها صديقا ولأن سمعتها ذاعت في المزارع الستة قام شقيقها 22 عاما بقتلها مستخدما بندقية صيد وضعها تحت ذقن أخته ما أدى لتهشم كامل بالجمجمة، وعندما تم الكشف على الجثة من الناحية التناسلية لم توجد أي علامات انتهاك أوممارسة جنسية، وكان هناك ارتخاء واسع في غشاء البكارة لأنه من النوع الحلقي ولم توجد على الضحية آثار حمل أيضا".

تشير ضبوط الشرطة إلى تنوع أساليب القتل التي يرتكبها الجناة بغية إخفاء جرمهم عن القضاء وعن مجتمعهم في حين يجاهر آخرون بفعلتهم، ويقول شيخ أحمد"كشفت على فتاة عمرها 18عاما أجبرتها والدتها على تناول سم الفئران بكمية كبيرة في الإسطبل بعيدا عن مرأى الآخرين، وتركتها هناك إلى أن وجدوها مفارقة للحياة، وزعم أهلها أنها ماتت منتحرة، لكن التحقيقات أثبتت أن الأم خيّرت ابنتها إما أن تقتل على يد شقيقها وتنتشر قصتها أو أن تتناول السم "انتحارا "وهي ميتة أخف تأثيرا على السمعة".

ومن الحالات الفيزيولوجية الشائعة والتي يودي جهل الأهل بها بحياة الفتاة، الورم أسفل البطن والذي يحدث للفتيات اللواتي لديهن غشاء بكارة من النوع "المصمت"، ويروي الطبيب شيخ أحمد جريمة بداعي الشرف ارتكبت نتيجة الجهل بهذا التفصيل.

"في قرية تابعة لدير حافر فتاة عمرها 17 عاما -كشف عليها صديقي- قتلها شقيقها، واتهمت أنها حامل لوجود ورم أسفل البطن وغياب الدورة الشهرية ..أثناء الكشف تبين أن غشاء البكارة من النوع المصمت بدون فوهة ..ما يؤدي لتراكم دم الطمث لشهر أو أكثر حتى تظهر الفتاة بمظهر الحامل وهذا يوجه النظر إليها وخاصة في الريف..بسبب طبيعة اللباس لم يأخذها أهلها إلى الطبيب وإنما قتلت على يد شقيقها..".



مفهوم العذرية

يلفت شيخ أحمد إلى انتشار مفهوم خاطئ عن عذرية الفتاة في الأوساط الشعبية، ويوضح أن العذرية لاتتعلق بنزف أو خروج دم أثناء الزواج أو حدوث عملية "الإيلاج".

ويشير إلى أن "قرابة 20 بالمئة من الفتيات يلدن دون غشاء بكارة كحالة تشريحية طبيعية، وهناك 25 بالمئة من الفتيات تقريبا يلدن بغشاء بكارة مطاطي واسع يتمدد أثناء الإيلاج ولايسبب نزفا في ليلة الدخلة كما هو معروف".

ويتابع أن "الكثيرات لاينزفن عند تمزق الغشاء وهناك من لا ينزفن سوى قطيرات غير ملحوظة، وفي هذه الحالات للأسف الشديد تتعرض الفتات للتهديد بالحياة واتهامها بأنها ليست عذراء وأنها كسرت الشرف وأخلت بالسمعة ويسارعون إلى غسله بدمائها البريئة كما يقولون".

ويشرح شيخ أحمد أنواع غشاء البكارة مشددا على ضرورة نشر الوعي والثقافة بين الأمهات على وجه التحديد حول هذا الموضوع، " لأغشية البكارة 4 أنواع، الحلقي المطاطي الواسع الذي لايفض إلا برأس الجنين، و الغربالي وهو ذو فوهات متعددة، والجسري ذو فتحتين بينهما جسر، والمصمت بلا فوهة، وقد تولد الأنثى بلا غشاء، وصاحبات هذا النوع قد يتعرضن بشكل أكبر لهذه الجريمة أي القتل بداعي الشرف".

ويوضح في شرحه للطبيعة الجسدية والصحية للأنثى والحالات التي فحصها خلال سنوات عمله"راجعتنا حالات حول حوادث سقوط لطفلات أدت لتمزقات في منطقة غشاء البكارة أو المهبل أو التهابات فطرية تسبب حكة ما قد يؤدي إلى إيذاء غشاء البكارة..الذي لايفيد فيزيولوجيا بشيء، والندب بعد تمزقه مهما كانت قديمة تظهر بلون مختلف عن الندب الناجمة عن التمزقات الحديثة، لكننا لا نستطيع تحديد عمر التمزق بعد شهر من حدوثه...ما يسبب شكاً لدى الأهل وقد يؤدي لارتكاب جريمة بداعي الشرف كما ذكرت في الحالات السابقة إذا لم يتدخل الطبيب في حال عرضت الفتاة عليه".



عذر مخفف للقاتل

ربط جريمة قتل الأنثى في الحالات المذكورة بـ"الشرف" محاولة من قبل الجناة والمجتمع لإسباغ نوع من الشرعية وامتلاك الحق في ارتكاب الجريمة والهروب من العقاب.

ورغم أن عبارة"جريمة الشرف" لم ترد في القانون السوري إلا أنه يشمل ثغرات قانونية قد تشجع الجاني على ارتكاب جريمته.

وحول ذلك يقول المحامي غزوان قرنفل رئيس تجمع "المحامون الأحرار" لموقع تلفزيون سوريا "لم يرد في القانون السوري عبارة جرائم الشرف وإنما هو مصطلح يقصد منه الدلالة على أن الجريمة ارتكبت تحت دافع يعتقد صاحبه أنه يرتكب جريمته دفاعا عن شرفه المثلوم، وبالتالي فإن عبارة القتل بدافع الشرف هي التي ترد أكثر في القانون السوري".

ويتابع"عام 2010 وصل عدد مايسمى بجرائم الشرف بسوريا الى 249 جريمة وتحتل سوريا بذلك التاريخ المرتبة الثالثة في هذا المضمار بعد فلسطين التي تحتل المرتبة الثانية عربيا فيما تتصدر اليمن المرتبة الأولى".

ويضيف قرنفل "طبعا الآن أعتقد أن العدد تضاعف على الأقل ثلاث مرات في سوريا ولعل آخرها الجريمة التي حصلت في ريف حلب الشمالي من قبل أحد مقاتلي الفصائل ضد شقيقته". في إشارة إلى الجريمة التي ارتكبها المدعو بشار بسيس في مدينة جرابلس وتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي الشهر الماضي.

وبرأي قرنفل "فإن القانون السوري كالكثير من قوانين الدول العربية كان يسبغ نوعا من المشروعية على تلك الجريمة حيث كان يمنح مرتكبها مايسمى بـ"العذر المحل" أي الذي يشرعن الفعل الجرمي ولايوقع عقابا على الفاعل وفق نص المادة 548 من قانون العقوبات".

لكن تعديلا طرأ خلال السنوات الماضية على تلك المادة، وأصبح الفاعل يمنح عذرا مخففا وليس مُحلا، أي يتم تجريمه وإنزال عقوبة مخففة بحقه حدها الأدنى سنتا حبس حسب قرنفل.

ويردف قائلا "أعتقد أنها خطوة صغيرة بالاتجاه الصحيح مع أني أؤيد تجريم الفاعل وإنزال العقوبة القانونية كاملة بحقه كأي مجرم آخر".

ويوضح "حاليا لا أعرف ماذا تطبق محاكم الأمر الواقع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لكني أجزم أنها أكثر سوءا بكثير من محاكم النظام بالنظر لعدم وجود قانون مكتوب وإنما يحتكم لرأي القاضي الذي يزعم أنه يحكم بما أنزل الله ( كما يفهم هو هذا التنزيل ) فضلا عن عدم توفر الحد الأدنى للمحاكمات العادلة".



جرائم في مناطق سيطرة النظام

تقول منظمات حقوقية ونسوية سورية غير حكومية مقرها دمشق، لموقع تلفزيون سوريا إن عدد جرائم الشرف تراوح في العام الجاري 2018 بين 200 إلى 300 جريمة بداعي الشرف في مناطق سيطرة النظام وحدها، وبذلك تكون هذه الجرائم قد سجلت زيادة كبيرة عن آخر رقم كشفت عنه وزارة داخلية النظام عام 2010، و هو 249 جريمة بداعي الشرف في كامل الأراضي السورية، واحتلت سوريا وقتها المرتبة الثالثة عربياً في ارتكاب هذه الجرئم، بعد اليمن وفلسطين.

ويشير محامون في القصر العدلي بدمشق إلى أنه من الصعب الوقوف على العدد الحقيقي للجرائم بدافع الشرف، بسبب تكتم وزارة الداخلية وعدم وجود أي طريقة تصنيفية تعتمدها وزارة العدل لتصنيف الجنايات المرتكبة ضمن هذا الوصف.



نظرة واحدة إلى المرأة

يروي نور رضوان مدير شبكة السويداء 24 لموقع تلفزيون سوريا تفاصيل "الجريمة بداعي الشرف" التي وقعت بمحافظة السويداء في 19 من أيلول الماضي، حيث قتلت الفتاة دانا أبو حسون(16) عاما من قرية (جرين) على يد والدها، وذلك بسبب تغيبها عن إحدى الحصص الدراسية مع زملائها من الجنسين في المدرسة المهنية ببلدة المرزعة.

تعرض الوالد لتوبيخ وإهانة من قبل إدارة المدرسة ما دفعه لارتكاب جريمته مستخدما سلاحا آليا، وترك جثة ابنته مرمية قرب طريق زراعي بقرية المزرعة قبل أن يسلم نفسه إلى الشرطة.

وبحسب "رضوان "فإن الطبيب الشرعي أكد وفاة الفتاة، دون أن يتطرق إلى فحوص أخرى للجثة، ويشير إلى أن قضية "الشرف" حساسة جدا في المحافظة حيث انقسمت الآراء بين مؤيد لجريمة الأب ورافض لها.

في مدينة جرابلس نفذ المدعو "بشار بسيس" وهو ينتمي لأحد الفصائل العسكرية، جريمته علنا باستخدام بندقية آلية أمام عدد من رفاقه الذين سجلوا مقطعا مصورا للجريمة وهو يقتل شقيقته، طالبين منه "غسل شرفه"، وذلك على خلفية إشاعات عن نشر صور لها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتؤكد ردود الفعل المنقسمة حول جريمتي السويداء وجرابلس، العامل المشترك بين المجتمعات المحلية في سوريا بتنوعها وهي النظرة إلى المرأة واعتبارها تمثل الشرف.



عن الشرف في العضو التناسلي للمرأة

"يأتي القتل بدافع الشرف جزءا من حقيبة كبيرة تحملها المرأة على ظهرها، مادامت المرأة هي ملك ذكور القبيلة والعائلة فمن الطبيعي أن أي سلوك يخالف النظام البطرياركي يعرضها للخطر"، تقول أخصائية الجندرة رنا نبكي لموقع تلفزيون سوريا.

وتضيف "يمكننا فهم ظاهرة جريمة الشرف من خلال تحليل وفهم العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع القائمة على السلطة وليس على قدمها..فلا تزال علاقة الرجل بالمرأة علاقة السيد بالمسيود، من يملك السلطة وبمن لا يملك السلطة، و التابع بالمتبوع".

وتتابع نبكي"لا وجود للمرأة المستقلة في الخطاب الاجتماعي. فالمرأة لا تملك قرارا بمسألة اختيار شريك حياتها، واستشارتها حسب الأعراف لا يعني أنها تملك القرار، ولا يمكن لامرأة أن تحدد شريك حياتها بمعزل عن موافقة أسرتها، المرأة أيضا غير مستقلة اقتصاديا وفي كثير من الحالات لاتورث، وإن ورثت تورث النصف حتى في الحالات التي تكون هي القائمة بأعمال البيت و الفلاحة".

وتشير إلى أنه "في مجتمع يقول بضرب المرأة في حال لم تطع زوجها , ويملك أبوها وأخوها حق ضربها بحجة التأديب ليس غريبا أن ينتج جريمة الشرف".

"ومن حزام العفة الذي كان عبارة عن طوق له قفل يلتف حول خصر المرأة فيغلق باستثناء فتحات ضيقة لقضاء الحاجة، ويحتفظ الزوج بمفتاحه معه، يغلق فيه الفرج لتأمين منع حدوث أي اتصال جنسي، مرورا بسبي النساء واغتصابهن كأداة إذلال في الحرب، وصولا إلى جرائم الشرف، طريق طويلة".

وتلفت نبكي "يصعب القول إن جرائم الشرف محصورة بالمجتمعات الشرقية، فلا زال العنف ضد النساء يجتاح الشرق والغرب ولكن بالطبع يختلف بالشدة والانتشار، ولازالت هناك جرائم ترتكب في الغرب بدافع الغيرة على الزوجة ولكن المجتمع الغربي يسميها جريمة وليس جريمة شرف والقانون والمجتمع لا يقبل ذلك على عكس حال المجتمعات العربية التي تقول " اغسل عارك يا بشار" ! .