أخبار وتقارير

تقرير يستعرض مراحل تحول المليشيا من عصابات هاربة بالجبال، إلى جماعة انقلابية تسيطر على الدولة وتحكمها بالانتماء السلالي … هكذا أسقط الحوثيون صنعاء؟

الأحد - 25 سبتمبر 2022 - الساعة 12:40 ص بتوقيت اليمن ،،،

منذ ما قبل 2011 بكثير، يُلفت انتباه زائري محافظة صعدة “معقل مليشيا الحوثيين” تلك الجدران والدواوين ووسائل المواصلات، التي يحتدم فيها النقاش عن بني أميه وعمرو ابن العاص وموقعة الجمل، والتمايز الطبقي بين بني هاشم والرعية والقبائل، لتكتشف لاحقًا أن ذلك الجدل والفصل العنصري أسقط البلد في حرب بالوكالة، أنتجت مجاعة مخيفة، وحرمت اليمنيين من حقوقهم الأساسية والحياة الكريمة والآمنة.
 

أثناء احتجاجات 2011 التي شهدتها اليمن، دخل الحوثيون العاصمة صنعاء وانخرطوا في المجتمع داخل الساحات المناوئة لنظام حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، كانوا يتحدثون باسم مظلوميتهم، رافعين قضيتهم، وعدد من القضايا الوطنية الأخرى، خرجوا من صعدة نتيجة للحرب التي تُقاد عليهم لأسباب مذهبية كانت قد بدأت في 2004 أيام تُعرف ب: «الحروب الستة» التي قادتها الحكومة لقمع تمردهم على الدولة، متهمة إياهم ب: ((إعادة الحكم للإمامة الزيدية والقضاء على الجمهورية)) هذه التهمة التي نفاها الحوثيون آنذاك.





في 2011 دخل الحوثيون صنعاء واندمجوا مع أبناء المدينة، جاء أبناء الريف بسياسة القلوب الرحيمة واستطاعوا أن يكسبوا تعاطف كبير حتى من أحزاب اليسار التي تؤمن بمظلومية قضيتهم. دخل أبناء صعدة وحملوا معهم “الرُمان الصَعدي” بعد أن أغلقت الحكومة اليمنية عليهم تصديره للخارج وأحرمتهم من إيرادات الزراعة التي يستفيدون منها ماليًا، كما حملوا معهم «القات» الصعدي الرخيص الذي اشتراه الكثير من أصحاب الطبقات الاقتصادية المتدنية واستمتعوا به أيضًا كونه: «حالي ورخيص».



دخل أبناء الريف واستطاعوا أن يقدموا أنفسهم بشكل ايجابي، تقبّلهم المجتمع المدني ولم يتعامل معهم ك: “قبيلي” أي بمعنى رجل غير مثقف ينتمي للقبيلة أكثر من انتماءه لليمن ويُمجّد الشيخ أكثر من تمجيده لدستور بلاده وعلى استعداد للحرب من أجل أبناء قبيلته حتى لو كان سيحارب الدولة.



لم يكن الكثير يعرف إن الحوثيون أسوأ من القبائل، فهم يعتمدون على المسيدة والعبودية، وعلى استعداد لقتال العالم من أجل ارضاء سيدهم



الصورة النمطية التي تغيّرت عن الحوثيين كانت نقطة قوة لهم، ساعدت على انتشارهم داخل المجتمع، استقطبوا حينها المنتمين لذات الطائفة لهم وأخضعوهم لدورات تثقيفية عن «المسيرة القرآنية» يدرسون خلالها ملازم حسين بدر الدين الحوثي ويطلقون عليها: «ملازم السيد». هو مؤسس الحركة ويعتبره الحوثيين «قرآن ناطق» هو قائد حرب صعده الأولى التي انتهت بمقتله ولجوء أخيه عبدالملك إلى الجبال لإعادة ترتيب صفوفهم، وكان مقتله بمثابة إعلان حروب انتقامية للثأر من القاتل وكل من ساعده في ذلك.



مات القائد وجاء أخيه ناقمًا وحاملًا لخمس حروب أخرى تحوّلت إلى قضية رأي عام دولية وتدخلّت فيها دول جوار، وهكذا تحوّل هذا الصراع العقائدي والتمايز الطبقي إلى حرب بالوكالة، فاقم من معاناة اليمنيين وحولّهم إلى عمّال سخرة، ورعية، وعبيد.


..
الاحتجاجات التي شهدتها اليمن في 2011 كانت كغيرها من البلدان قد خضعت لحلول سياسية، اهتمت بتوزيع وزارات الدولة ومؤسساتها للجهات السياسية، ومنحت صلاحيات لكافة القوى بهدف إدارة البلاد وعدم احتكارها لدى طرف وحيد أو تسخيرها لطرف على حساب آخر، وقد مكّن هذا الحل من تخفيف حدّة التوتر بين جميع الأطراف السياسية لاسيما المعارضين لحكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، حيث رفدوا الساحات بأتباعهم وتمكّنوا من أن يُسيطروا على مطالب المجتمع الذي كان يأمل بتغيير واقعه وبناء دولة مؤسسات، بيد أن الحلول السياسية فاقمت من مُعاناة المجتمع، شعر بإحباط شديد وتدمرت آماله وأحلامه حد تحوّلها إلى أحقاد شخصية تجاه الذين كانوا سببًا في هذا الفشل.


 
كان الطرف الذي تحمّل هذه الخسارة هو حزب التجمع اليمني للإصلاح «الجناح الإخواني في اليمن» التصقت به صفة الفشل في إدارة البلاد وتحمّلها وحيدًا، ولم يكن هذا الاتهام فارغًا لكنه في حقيقة الأمر نتج بسبب الطريقة الاقصائية في إدارته للوضع حيث فرض التوجّه الخاص به عوضًا عن الاتفاق الجماعي وعمل مرارا على الهيمنة على سلطة القرار وموارد البلاد، وفرض نفسه كدولة وليس كشريك في إدارتها، استغل الوظيفة العامة، وبدأ -كما فعل الآخرون- في توزيع الوظائف على أتباعه كغنائم وليس كاستحقاق مجتمعي.
 


لم تكن هذه الإدارة -إضافة إلى الانفلات الأمني وتحوّل الدولة إلى هشة- إلا لتعمل على تقوية الحضور المجتمعي لعلي عبدالله صالح، هذه القوّة مكّنته من البقاء على الساحة كواحد من اللاعبين السياسيين المهمين في البلاد والذي شكّل لحكومة الوفاق الوطني قلقًا بالغًا وألصقوا به كل فشلهم في إدارة البلاد، على الرغم من قيام الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي بإقالة عدد من المقربين له واغلاق وسيلته التلفزيونية «اليمن اليوم» كحرب غير مباشرة كان قد أعلنها ضده.



استثمر الحوثيين هذه المسائل، وبدأوا في حروبهم الفكرية الخاصة فحاصروا دار الحديث في دماج وأخرجوها من المنطقة انتقامًا لوقوفهم مع الدولة في حربها عليهم إبان الحروب الستة، ثم تقدموا باتجاه محافظة عمران “خصمهم الجغرافي والفكري والداعم عسكريًا ضدهم” وهي المنطقة التي تُعد مُتركز لأكبر قبائل اليمن وينحدر منها أولئك المُمسكين بزمام أغلب مفاصل الدولة خصوصًا العسكرية.



كان الحوثيون قد نشروا بين المجتمع أن خصومهم هم “التكفيريين” وليسوا بصدد محاربة الدولة أو خوض قتال مع المجتمع، ونظرًا “للثأر السياسي” فقد وقف شيوخ القبائل المؤيدين لحزب الرئيس صالح، مُحايدين في هذا الصراع، إما بتوجيهات من حزب صالح أو بدون، ما سهّل للحوثيين من إسقاط عمران ومعسكرها الأبرز في اليمن اللواء 310 مدرع والاقتراب من العاصمة صنعاء.
يعد اللواء 310 مدرع أول لواء عسكري في الجيش اليمني وأحد أهمها على الاطلاق، وبعد دخولهم اللواء العسكري نهبوا معداته وقتلوا قائده حميد القشيبي كمقدمة للحرب الأهلية في اليمن.



قضى الحوثيون على منابر أعداءهم الفكريين وفجّروا مدارسهم الخاصة بالقرآن ومساجدهم التي يُعتقد أنها كانت تُحرّض ضدهم أو ترفد دار الحديث بالدارسين أو لها ارتباط مُباشر بحزب الإصلاح، وتمكّنوا من الدخول إلى صنعاء في اليوم المشئوم 21 سبتمبر 2014 ومحاصرة مراكز القوى ومؤسساتها، ثم السيطرة عليها لاحقًا، اعتمدوا على لجان شعبية لتعزيز تواجدهم وعلى مشرفين ليقوموا بمهام إدارة الوزارات على غرار الوزراء، كانوا يحتفظون بأختام الوزارات لديهم ويراقبون المصروفات ويضبطونها ويحافظون على النفقات باعتبارها مال عام.



كانت السياسة الميدانية التي تقودها جماعة الحوثي تعتمد على قضاء حاجات الناس والبت في مشاكلهم، عملوا على الفصل في الكثير من المظالم المجتمعية وإعادة الحقوق إلى أصحابها وضبط الانفلات الأمني والامساك بمرتكبي الجرائم على غير عادة الحكومتين السابقتين، كانت هذه التحركات تؤدي إلى قبولهم أكثر داخل المجتمع واستقطاب الشباب نحو الدورات الثقافية التي تستمر إلى ثلاثة أشهر ثم إعادتهم كلجان شعبة تمارس دورها في المجتمع.



أسقط الحوثيون الدولة وتحوّلوا من متمردين فارين في الجبال ومطلوبين للدولة، إلى قادة مليشيا تمسك بالدولة، وزّعوا على أنفسهم الرُتب العسكرية بدون أي أهلية أو استحقاق، سيطروا على الوظائف العامة وقاموا بفرض مدراء جُدد ليسوا بالضرورة على استحقاق لهذه المناصب سوى أنهم ينتمون لذات السلالة، وتمكنوّا من الاطاحة بغريمهم العقائدي اللدود “حزب الإصلاح”.



لم يتبقى في الداخل أي قوى بإمكانها تهديد تواجد الحوثيين سوى علي عبدالله صالح، كانت وسائل الإعلام قد اتهمت صالح بالتورط في دعم الحوثيين، ولم تكن هناك أي اشارات شراكة بين الطرفين سوى أن الحوثيين مرّوا بدون اعتراض أنصار المؤتمر الشعبي العام وبدون أي معارضة على تواجدهم بل على العكس، كان هناك ترحيب بهم نكاية بعدوهم السياسي حزب الإصلاح، وعلى الرغم من الرغبة للانتقام الذي يكنّه الحوثيين لصالح لمقتل مؤسس الحركة، إلا أن ذلك لم يدفعهم لفتح جبهة حرب جديدة في الوقت الذي لم يتمكنّوا بعد من تثبيت أقدامهم بقوة والقضاء على المقاومة التي تشكلّت ضدهم، لكن الرغبة في ذلك كانت حاضرة على الدوام فقد أشار محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لأنصار الله في برنامج على قناة السعيدة في مايو 2015 أن هناك طرفين داخل الحركة إحداها تؤيد الاتفاق مع صالح والعمل معه والأخرى ناقمة على الحروب الست ومقتل مؤسس الحركة وترفض أي عمل مباشر معه.


عمومًا اتفق الطرفين لاحقا في يونيو 2016 على توقيع شراكة سياسية مشتركة وتشكيل مكتب سياسي لإدارة البلاد مكوّن من عشرة أفراد نصفهم من المؤتمر والنصف الآخر من الحوثيين ويرأسه ممثل الحوثيين بينما ينوب عنه ممثل المؤتمر ثم أعلنوا عن تشكيل حكومة الانقاذ الوطني، وفي ذات الوقت كان الحوثيون يقومون بإقالة أنصار صالح من المناصب العسكرية والمدنية وتعيين موالين لهم كإعلان حرب تصفية وقص أكبر عدد ممكن من أجنحة صالح أو ترويضهم، ثم اندلعت بينهما معركة عسكرية في ديسمبر 2017 انتهت بمقتل صالح وانقسام ولاءات قيادات المؤتمر فمنهم من يوالي الحوثيين ومنهم من يوالي التحالف وآخرين مازالوا يرفضون الاعتراف بشرعية الطرفين.