ادبــاء وكُتــاب


الجمعة - 06 أبريل 2018 - الساعة 07:29 م

كُتب بواسطة : نبيل الصوفي - ارشيف الكاتب



صارت صنعاء بعيده جدا عن كل اليمن، وكل ماجمعته هذه المدينة في خمسين سنة وأكثر منذ استقر الحال بعثره الجاهل عبدالملك الحوثي في أربع سنوات.
العائليات التجارية
الاحزاب السياسية
الصحف والمنظمات
الشخصيات
الاسواق
حتى المطاعم والفنادق..
وخارج صنعاء، تهاوت دولتها ولم يبقي الا مواطنيها.
لم يصمد في المكلا الا "الشامي" تاجرا.. اما العقيد الذي كان يتباهى برتبته فقد خلع بدلته واختفى للأبد.
فلم تحسن "صنعاء" الحفاظ على دولتها..
تخيلوا، ماكاد الناس يهدؤون وهم يعارضون اخطاء دولة الرئيس علي عبدالله صالح، فاذا بهم يرون الحوثي يتباهى بقتله ثأرا لدم "حسين بدر الدين" الذي لايرى فيه اليمني أي معنى للاحترام ولا له قيمة.
صحيح أن اصلاحيين أو مواليين لمشائخ ثورة ٢٠١١ قالوا ان الحوثي لم يفعل حسنة في حياته الا قتله للرئيس السابق رحمه الله وتقبله شهيدا، لكن هذا رأي بعض دولة صنعاء التي اصلا لم يكن يمد في نفوذها الا الرئيس السابق نفسه، وهذه الحسنة الحوثية برأي هؤلاء عنت ايضا انتهاء أي وجود لهم ولدولتهم خارج مناطقهم.
ومالم يتدارك كبار صنعاء ومحيطها الامر، ويدفنون الحوثي اليوم قبل الغد فان صعده ستدفن صنعاء وتعيدها لحالها قبل الجمهورية اليمنية.
اليوم يسير اليمني في شوارع مدينة مأرب فيرى أهله من كل المناطق يخدمون بعضهم، هذا يفتح دكان وذاك مطعم واخر فندق.
هذا الوجود كله كان في صنعاء، لكنه اليوم يتسرب منها.
ومابقي فيها، لايزال يظن أن صنعاء ستتجاوز "الحوثي" عن قريب.
تبحث عن غرفة في فندق في سيئون أو المكلا، فترى مأربي وشبواني وتهامي وتعزي.. فتحوا لهم محلات جديدة بين فندق ومطعم او مغسلة.
قال لي عصام بلكنة صنعانية كاملة انه لم يسبق له أن استقر خارج صنعاء الا هذه المره فمنذ ثلاثة أشهر غادرها واستقر في المكلا ويعمل في احد فنادقها.
لاعلاقة له بالسياسة.. لكن صنعاء صارت ملونة بـ"الاخضر" شعار تعبده من دون اليمن.
وكلما طال الامر بدأت الجامعات والمدارس والمستشفيات تنتقل منها.

لايفهم الحوثي، مشاعر الناس، ولا يكترث لها.. لكن الناس سيرون هذه اليمن وهي تغادر صنعاء.
تسير في شوارع عدن.. فترى كأن صنعاء كلها صارت فيها.
رجال ونساء من قلب صنعاء، لاعلاقة لهم بالسياسة أيضا، لكنهم تركوا صنعاء "الظالم سلطانها"، وصارت مصادر رزقهم في قلب عدن.
لم يقطعوا علاقتهم بصنعاء.. لكنها لم تعد مركز الحياة عندهم.
اليمن التي كانت متكومة في صنعاء توزع مابقي منها..
والالاف منهم في دول أخرى خارج اليمن.
ولعل الحسنة الوحيدة للخذلان المسمى بـ"الشرعية"، هو انها تبقي اليمنيين متمسكين بالحياة في صنعاء على أمل أن تغسل الحوثي من وجهها قريبا.. ولأن المناطق خارج صنعاء لاتزال تعاني من المشاكل الادارية والامنية.
أما ان استقر الحال في المناطق التي تطهرت من دنس عبدالملك وزبانيته وشعاراتهم العنصرية وقبحهم الديني وعدوانيتهم القومية والوطنية، فلا اعتقد ان احدا فيها سيسمع اسم صنعاء من جديد.
وفي الشتات يمن كامل.. يمن الجمهورية والتعددية يكاد يتوزع في المنافي..
الحوثي وحده صامد في عدوانيته وشره وصلفه، حتى انه يعين محافظا لحضرموت داخل صنعاء.
ولعل حكاية صديقي "المدير العام" في المكلا، هي ابلغ رد على هذه الصفاقة وصمود الجهل الحوثي..
تلقى مدير عام في المكلا اتصالا من صنعاء دعوة له لزيارة وزيره فيها، مع وعد انه سيتم تحسين ظروفه لو قبل، فقال لهم: لكن انتم اصلا بلامرتبات فكيف تدعوني لوظيفة بلامرتب؟
قال لهم انه كان اذا ارسل موظفا الى صنعاء يرسل له مستحقاته من المكلا.
قالوا له: ولكنك مؤتمري، ولن يقبل بك الحراك، فقال لهم: مافي حراكي قتل مؤتمري.. اما انتم فقتلتم رئيس المؤتمر بكله. فكيف سأضمن عمري أنا عندكم.. في صنعاء لا عاد تضمن عمر ولا مرتب.
صنعاء، بحاجة لهبة يمنية تنقذها من الحوثي، قبل أن تفقدها اليمن بكلها.. ولكن هي ايضا عليها ان تنتبه أنها تخسر اليمن شبرا شبرا وتشتري جماعة بلا عقل ولا منطق ولا دين ولا وطنية.