ادبــاء وكُتــاب


الجمعة - 25 يناير 2019 - الساعة 06:16 م

كُتب بواسطة : أحمد المرشد - ارشيف الكاتب




تحضرني اليوم قصة «الحكيم والعقرب»، وكيفية انطباقها على واقعنا السياسي، وتحكي أن عجوزًا جلس على ضفة نهر وراح يتأمل في الجمال المحيط به ويتمتم بكلمات يشكر بها المولى عز وجل على عظيم نعمه وعطاياه، وفجأة لمح عقربًا قد وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق! فقرر الرجل أن ينقذه، فمد له يده فلسعه العقرب، فسحب الرجل يده صارخًا من شدة الألم، ولكن لم تمضِ دقيقة واحدة حتى قرر أن يساعد العقرب مرة ثانية فمد له يده لينقذه.. ولكن العقرب لا يزال عند طبعه الذي لم يتغير فلسع الرجل مرة ثانية. وطبيعي أن يسارع الحكيم لسحب يده بسرعة صارخًا من شدة الألم.
وهنا نتساءل: هل تتوقف محاولات الحكيم لإنقاذ العقرب قبل أن يغرق؟!.. بالطبع لا، فهو لم ييأس رغم ألم يده من لسعتي العقرب الأولى والثانية، وقرر أن يمد يده للمرة الثالثة، وهنا فوجئ بصراخ شديد من رجل كان يراقبه من أولى محاولاته واعتقد أنه سيتوقف من اللسعة الأولى، فقال للحكيم: «ألم تنهِ محاولاتك البائسة مع هذا العقرب الغدار؟.. ألم تتعظ من محاولتي إنقاذك له؟ ثم أراك تهم بمحاولة ثالثة، أين حكمتك؟».. لم يكترث الحكيم بكل تساؤلات وانتقادات الرجل الذي يجلس بجانبه على ضفة النهر، ولكن كان للحكيم تصرف آخر لم يخطر على بال الرجل الذي لم يفطن بعد للحكمة التي يخفيها الحكيم، فقد ظل يحاول مرة تلو الأخرى حتى نجح أخيرًا في إنقاذ العقرب. وهنا سار الحكيم نحو الرجل وربت على كتفه قائلاً: ألم تعلم بعد أن من طباع العقرب أن يلسع ومن طبعي كإنسان أن أساعد غيري مهما أخطأ في حقي، فواجبي أن أُحب وأعطف على غيري، ثم انتهى الحوار بسؤال للرجل: لماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي؟.
الحكمة التي نتستخلصها من قصة «الحكيم والعقرب» هي أن علينا أن نعامل الناس بطباعنا وليس بطباعهم، وعلينا ألا نأبه بتصرفاتهم مهما كانت جارحة لنا أو آلمتنا بعض الأحيان، كذلك علينا ألا نكترث لتلك الأصوات التي تطلب منا التخلي عن صفاتنا الحسنة لأن الطرف الآخر لا يستحق تصرفاتنا النبيبلة.
ومن القصة الى الواقع الذي نعيشه حاليًا في عالمنا العربي، وأتحدث عن البحرين تحديدًا بعد أن ساندت بعض الدول العربية ووقفت معها في أزماتها كافة حتى جاء الجزاء مخالفًا للعمل، فكما كتبت من قبل عن نوري المالكي رئيس وزراء العراق الأسبق الذي باع بلاده للشيطان الفارسي وجدناه مؤخرًا يساند مطلب غريب مفاده تنظيم استفتاء تقرير المصير بالبحرين، ونسي المالكي أو تناسى كم كانت مواقف البحرين حيال بلاده وقت الأزمات التي مر بها العراق على مدى الفترة الماضية ولا يزال. واستكمالاً للقصة.. هل تخضع مملكة البحرين لنصيحة الرجل بالتوقف عن مساندة العراق والتخلي عن طباعنا نزولاً على طباعه، وهل نتخلى عن أمنياتنا لشعب العراق الاستقرار والعزة رغم أن أحد قياداته قد أضمر لنا الشر؟.. بالطبع لا، حتى لو زعموا أن الطبع يغلب التطبع، فلا تزال البحرين تتمسك بطباعها وتتمنى الخير لكل الشعوب العربية التي لن تنسى كما ينسى بعض قادتها أن المملكة ستظل الحصن الحصين لكل الوطن العربي من مشرقه الى مغربه.
القصص المؤلمة كثيرة ولا نريد اجترار الماضي وبعض أحزانه البغيضة، ولكننا لا نزال نتذكر أن بعض قيادات الجمهوريات العربية تمنت لنا نحن أهل ممالك الخليج الفناء ولكم مارست التحريض البغيض ضدنا واستغلت بعض مكوناتنا للتأثير عليها من أجل الإطاحة باستقرارنا وأمننا الذي ننعم به وزوال خيراتنا التي نرفل بها في ظل قياداتنا الوفية التي نذرت نفسها لخدمة شعوبها والتقدم ببلدانهم لتكون في مصاف الدول المتقدمة. وقصة «الحكيم والعقرب» لخير دليل على صحة حكمة الوقوف بجانب الغير في الأزمات والنهوض به من كبوته مهما كانت التكلفة.
فنحن نعيش في منطقة الشرق الأوسط التي تعد من أكثر مناطق العالم اشتعالاً بالأزمات، وبعض دول المنطقة تمنت لنا الزوال وأن تتغير مسمياتنا على الخريطة السياسية، فما كان إلا أن زالوا هم وتحطمت أمانيهم وذهبت مع الريح، فكان من نصيبهم عدم الاستقرار السياسي والأمني والصراعات والأزمات والحروب، لتعشش في دولهم أكثر التنظيمات الإرهابية. لقد شهدت بعض دول المنطقة تناحرًا وأزمات سياسية لم تسبق وأن شهدتها من قبل، وبدلاً من التكاتف والاستماع الى لغة الحق، لم يكترث الحكام بمطالب شعوبهم نحو التقدم والازدهار كما ازدهرت دول الخليج، فما كان من نصيبهم سوى الضياع والهلاك.
لقد ظن البعض أن بإمكانهم جعل البحرين وبلدان الخليج منطقة رخوة، فكانت الرخاوة من نصيبهم هم حيث تحكمت فيهم كل القوى الإقليمية والدولية، حتى أصبحت بلادهم ساحة كبيرة للحرب وصراعات تلك القوى التي احتلت أوطانهم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وباتت تسيطر على قرارهم السياسي في خضوع تام لمصالح روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران.
لقد أرادوا تصدير الفشل لنا وبيع وهم «الربيع العربي» لشعوبنا في الخليج، فكان الدرس القاسي لهم، حيث اندلعت أزماتهم وطال أمدها لتتضاعف خسائرهم يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام.. لقد أرادوا تصدير الفتنة المذهبية لشعبنا فاكتشفوا قوة الشعب الذي فطن لألاعيبهم ووقف بكل قوة خلف قياداته في معركة تثبيت أواصر الأمن والاستقرار. وقد سبق وأن اتهمونا نحن شعوب منطقة الخليج بأننا بعيدون تمامًا عن ثقافة الديمقراطية فشهد العالم أجمع كم كانت انتخاباتنا النيابية نزيهة بكافة مراحلها حتى إعلان القائمة الأخيرة للفائزين وكيف تبدلت مقاعد وذهب شيوخ وجيء بشباب بدلاً منهم نزولاً على رغبة وقرار الناخبين، فهم اختزلوا الديمقراطية فقط في مجرد صناديق اقتراع وهمية ربما اشترتها دول وتلاعبت بنتائجها دول أخرى، دون أن يتعلموا أولى مبادئ الديمقراطية وهي الإرادة السياسية للقيادة، هل تريد التغيير فعلاً أم تتمسك فقط بالقشور؟.. فاكتشفوا مدى قوة المواطنة لدينا وأنها ليست مجرد شعار يرفعونه أمام شعوبهم، فكان التسامح والتعاش من نصيبنا والتشرذم والشتات من نصيبهم، ومع ذلك لا زلنا نتمسك بحكمة الحكيم الذي واصل مساعدة العقرب ولم يكترث بدعوة الآخرين بالكف عن محاولات إنقاذه.
كاتب ومحلل سياسي بحريني