ادبــاء وكُتــاب


الثلاثاء - 01 يناير 2019 - الساعة 02:17 ص

كُتب بواسطة : غازي المزارع - ارشيف الكاتب




من الظواهر السلبية البشعة في اليمن بشكل عام والتي تحولة إلى عادة خطيرة, وجود الأسلحة والذخائر بحوزة الكثيرين وإستخدامها في غير محلها وهذا يعد خللاً خطيراً, لكونه خروجاً على سيادة القانون سيما القانون رقم (40) لسنة 1992م الذي ينظم حمل السلاح والذخائر والمتاجره بها, الذي يجرم حملها والمتاجره بها بدون ترخيص, ومن الملاحظ وبشكل مخيف تفشي عادة حمل السلاح وإستخدامه بين أفراد لا يحق لهم ولا يجب عليهم أن تكون هذه الأسلحة بأيديهم, وتعد هذه الظاهرة مشكلة مجتمعية معقدة لما يترتب عن مخاطر حمل هذه الأسلحة وأطلاق نيرانها من وقوع العديد من حوادث الأخطاء والإصابات الجسمانية المرتكبة وحدوث حالات قتل وإصابات خاطئة ومنها عمدية تسفك الدماء وتزهق للأرواح البريئة وتؤدي إلى التناحر بين أفراد المجتمع الواحد, حتى أصبح تأثير إستخدام ذلك السلاح الناري وأخطائه يحدث في محيط مستويات الأسرة الواحدة مع الأسف الشديد, والتي تأتي أهم عوامله الرئيسية هو بروز ظاهرة مزاجية وفوضوية حمل السلاح والتباهي به لدى غالبية أفراد مجتمعاتنا والتفاخر باقتنائه من قبل بعض الشباب أمام الآخر مما سهل ذلك بعملية وقوع كل تلك الحوادث والإصابات الناجمة عن هذه الوسائل الخطيرة وأطلاق نيرانها من قبل بعض مستخدميها بإيقاع الكثير من حالات القتل والإصابات البشرية الآثمة, وكذا مقلقة ومزعجة للمواطنين, لأن وراء كل مصيبة وجريمة هو السلاح تلك الآلة الفتاكة القاتلة التي لا ترحم أحداً والتي تسهل من إرتكاب الجريمة وتساعد على إنتشارها. كما أن حمل السلاح يعتبر سلوك غير حضاري له إنعكاساته ومخاطرة السلبية على الأفراد والأسرة والمجتمع بشكل عام كما يؤثر سلباً على التنمية والإقتصاد ويشكل زعزعة للسكينة العامة وتعدياً لأمن وحريات المواطن التي ينعم بها وكفلها له النظام والقانون ولاشك بأن حمل السلاح, يسهل عملية إستخدامه في المشاجرات والمنازعات والتي قد تنتهي بقتل أحد الأطراف المتنازعة, أو إصابته بعاهة مستديمة وخطيرة.

وهناك دراسات تشير أن اليمن بشكل عام تعد ثاني دولة بعد الولايات المتحدة الامريكية تنتشر فيها الأسلحة بين الأفراد واوساط المجتمع اليمني بحيث تشير الإحصائيات أن في اليمن حوالي 60 مليون قطعة سلاح بمعدل أن كل فرد يمتلك ثلاث قطع, ولا شك أن ظاهرة إستخدام الأسلحة النارية وحملها في المجتمع اليمني مرتبطة بعادات وتقاليد اجتماعية وقبلية موروثة يختلف إستخدامها حسب الإنتماءات الاجتماعية والقبلية, وخاصة المجتمعات الشمالية فهي تتميز بتلك العادات الموروثة بحيث صارة  تتباها بأن حيازة الأسلحة ضرورة ملحة ومتوارثة من جيل إلى جيل, والبعض الآخر يعتبرها مظهراً من مظاهر الرجولة وزينه من زين الحياة, ولذلك ينظر هؤلاء الأفراد على أن حيازة الأسلحة حق شرعي حتى لو تعارض ذلك مع القوانين واللوائح الوطنية, ومما هو جدير بالذكر أنه أصبح من الملاحظ تزايد الطلب على تراخيص حمل السلاح في المجتمع اليمني كل هذه التصرفات الفوضوية تسيء إلى سلوكياتنا ومبادئنا وقيمنا, كما أنها تعطي انطباعاً غير حسن لدى الآخرين من المجتمعات الأخرى فهي تشوه صورة حضارتنا ومفاهيمنا, كما أنها تزعزع الأمن والإستقرار والطمأنينة في النفوس داخل المجتمع ولن تعرف الأمن والأمان دوماً, لأن الأمن والأمان أحد المرتكزات الأساسية لتطوير الوطن والمواطن, ذلك أن التنمية تتطلب استقرار الأمن وسيادة القانون حتى يمكن للمستثمرين أن يساهموا في إقامة مشاريع زراعية وصناعية وخدمية وسياحية للقضاء على المشكلات الاقتصادية التي تعانيها اليمن وأبرزها: الفقر, والبطالة, والتضخم المتمثل بارتفاع الأسعار, حيث "لا تنمية بدون أمن ولا أمن بدون تنمية", إن تحقيق بيئة الأمن في المجتمع تعتبر من أولويات المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومات المتعاقبة.

ومن المعروف أن المجتمع الجنوبي بشكل عام ومدينة عدن بشكل خاص يتسم بمجتمع مدني متحضر لا يعرف التقاليد القبلية والعادات المقيته على مر العقود, إلا أن هذه الظاهرة والموروث التقليدي أصبح دخيل علينا وبدأ ينتشر وبشكل مخيف في بعض المحافظات الجنوبية, سيما العاصمة عدن مدينة السلم والسلام بحيث أصبح حمل السلاح وإستخدامه يشكل خطراً عليها وعلى موروثها الثقافي والشعبي ووضعها الاجتماعي والاقتصادي, فما نشاهده اليوم في واقع مجتمعنا في العاصمة الجنوبية عدن والمجتمع الجنوبي عموماً شيء يندى له الجبين من تداعيات أمنية لأسباب ظواهر حمل وإستخدام السلاح وبضرب نيران الرصاص العشوائي غير المبرر له واستغلال ذلك ليس من قبل فرد أو فئة أو شريحة مجتمعية معينة فحسب بل وصل الأمر بإستخدام هذه المظاهر المسلحة بأنشطة تكوين جماعات وعصابات فوضوية وتقطع وجبايات واغتيالات منتشرة في كل محافظات الجنوب مستغلة في ذلك واقع حال التحول المجتمعي الناتج عن الوضع القائم خاصة بعد الحرب الأخيرة شاهدنا أنتشار مخيف لبعض الأسلحة والذخائر بالأسواق وكذا بحوزة بعض الشباب وتباع باسعار محدوده بسبب النهب والسلب التي حدثة جراء الحرب, بحيث صار شرائها وإقتنائها وإستخدامها من قبل الكثير دون ادراكهم بمخاطرها ومساوئها, وما ينتج عنها من مخاطر وقتل الإنسان لأخيه الإنسان وبصورة فجة وغير قيمية ليس ضد أعدائنا الخارجيين بل بإستخدامها بالتطاول ضد بعضهم البعض وتعكير صفو حياة الناس المسالمين بحيث أصبحنا نسمع ونشاهد كل يوم أنتهاكات قتل وجرائم واغتيالات في بعض المدن الجنوبية وخاصة العاصمة الجنوبية عدن بسبب خلافات بسيطة واجتماعية وأسرية فمن تشاجر أو تنازع مع جارة أو صديقة أو اخوه أو خصمه تجرى إلى إستخدام لغة السلاح دون لغة الحوار والتفاهم والقانون, حتى أصبح إستخدام الأسلحة هي غاية الناس بالتعدي المتزايد على حقوق وحياة الغير والاضرار بمصالح بعضهم البعض, كما أصبحة وسيلة عنجهية وفوضوية بحل المظالم والنزاعات القائمة بين فئات مجتمعنا وإستخدامها لتهديد بين الخصوم لإجبار بعضهم البعض بالانصياع بحل ذلك النزاع القائم فيما بينهم, وبالمقابل وجد هناك تراجع وتعذر واضح بفرض هيبة النظام والقانون وسلطات الدولة الأمنية والقضائية لحل المشاكل سلمياً وقانونياً في تلك النزاعات القائمة التي تبرز هنا أو هناك.

ومن الظواهر السيئة والمقيته لإستخدام الأسلحة في مجتمعنا الجنوبي, وليس في المدن فحسب بل تجلة تلك الظاهر حتى في الارياف, وهي إستخدام الأسلحة النارية في المناسبات والأفراح وخاصة في الأعراس, بحيث تحول الأفراح في بعض الاحيان إلى اتراح, والتهاني إلى مآس, ولأبتهاج إلى أحزان, بسبب سوء أستخدام تلك الأسلحة من قبل البعض والشباب الطائشين وكذا بسبب المقذوفات النارية الراجعة من الجو والتي تسبب بقتل بعض الأبرياء من عامة الناس بمختلف فئاتهم وشرائحهم, وهذه العادة الاجتماعية المقيته, تجاوز فيها البعض في التعبير عن فرحه بطريقة غير مشروعة وغير مستساغة, وبدلاً من أن يكتمل عقد الفرح والاجتماع في مثل تلك المناسبات, تتحول هذه الأفراح إلى كوارث وتقتل البسمة ليحل محلها الدموع والذكريات والألم والحزن, كثير ما نسمع ونقرأ ونشاهد عن إنقلاب مشهد فرح في الأعراس أو المناسبات العامة الأخرى إلى مشهد حزن وألم وموت بسبب التلاعب با السلاح بحيث يتحول الفرح إلى حزن وتصبح الدموع والبكاء والعويل, البديل عن الزغاريد التي يفترض أن تكون الحاضر الأكبر في هذا الفرح أو ذاك, وتلك الكوارث رسم معالمها وصنعها خطأ بشري جسيم وعادات سيئة مقيته, ومن نتائجها تحويل المناسبات والزواجات إلى جنازات, ولطخ ثياب العرس بالدم والمأسي, فالسلاح ليس أداة لتعبير عن الفرح بأي حال من الأحوال فهو أداة قتل ولا يجب التلاعب فيها في مثل هذه الحالات, ولا تستخدم إلى في حالة الدفاع وفرض الأمن داخل الوطن.

وللحد من هذه الظاهرة ومعالجتها نشد على السلطات الأمنية من تكثيف جهودها في منع تلك الظاهرة وذلك بإغلاق أسواق بيع وشراء الأسلحة, وأن يطبق منع حمل السلاح في المدن على الجميع دون استثناء حتى لا يكون هناك مبرر أو ذريعة لأي كان لحمل السلاح وعدم الألتزام بالقانون وعلى كل من يحمل السلاح أو يقتنيه بدون ترخيص يواجه بعقوبة جزائية رادعة وعدم التمييز بين المواطنين في تطبيق القانون. كما نرى أن تتضافر الجهود التي بدأها بعض الشباب ومنظمات المجتمع المدني من عمل حملات وندوات وورش عمل توعية بمخاطر حمل الأسلحة باعتبار أن هذا الموضوع يحقق مصلحة عامة لأمن المجتمع بمختلف فئاته.
ونقترح لمزيد من النجاح في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة أن يقوم الإعلام بمختلف أنواعه وجهاته بعمل برامج توعية وتعريفية بمخاطر حمل السلاح خاصة في المدن والمناسبات والأفراح,  وكذلك مشاركة المؤسسات التعليمية وعلى رأسها الجامعات والمدارس بالقيام بتوعية إعلامية مكثفة وسط الطلاب حول الأضرار الناجمة عن حمل السلاح سواء منها إزهاق الأرواح أو باعتباره من عوائق التنمية الاقتصادية والاجتماعية, هذا فضلاً عن اعتبار حمل السلاح مظهراً غير حضاري. وكذا في الارياف والقرى يجب على مدراء الأمن في المديريات ومدراء العموم وعقال الحارات أصدار قرارات وأوامر صارمة ورادعة تمنع إطلاق الاعيرة النارية في المناسبات والأفراح وخاصة الأعراس وفرض عقوبات مادية ومالية تتمثل بالحبس ودفع غرامة مالية على كل من يخالف ذلك.
وهكذا عندما يطبق القانون على الجميع في الدولة والمجتمع دون تردد وتخاذل تصبح سمة رضى شعبية يرحب بها غالبية الناس بل وسيثنون على جهود الأمن في الحفاظ على أمنهم وسلامتهم وعلى عدالة التنفيذ والتي ستعم على المجتمع ببشائرها وسيتأتى منها فائدة إستقطاب رأس المال الاجنبي والعربي في ظل مناخ أمن يعود بالنفع على البلاد والعباد ويساعد في بسط هيبة الدولة على تنفيذ القوانين, وكذا ستعود الثقة بين المواطن والدولة والتي فقدت منذ زمن طويل, فقد أعتاد المواطنين على أهمال القرارات التي تصدر من قبل الدولة وكذا القرارات العرفية الذي يتخذها أفراد المجتمع لتنظيم حياتهم لإنهم يدركون إنها حبر على ورق غير جادة بسبب عدم تنفيذها بشكل جاد وصارم..