ادبــاء وكُتــاب


الجمعة - 28 ديسمبر 2018 - الساعة 07:01 م

كُتب بواسطة : غازي المزارع - ارشيف الكاتب



المخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في مجتمعنا الجنوبي وخاصة العاصمة الجنوبية عدن لم يسبق له مثيل , حتى أصبحت خطراً يهدد حياة البشر وتنذر بالانهيار وتبليد الشباب وقتلهم , المخدرات هي سموم قاتلة , فأنها تشل إرادة الإنسان , وتذهب بعقله , وتحيله بها لأفتك الأمراض , وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات والجرائم بكل أنواعها , مثل جرائم الانتحار والقتل والاختطاف وكذا الجرائم الجنسية سيما جريمة الاغتصاب التي تطال الاطفال وهذه الجريمة الشاذة زادة نسبتها في الآوان الاخيرة وخاصة في العاصمة عدن , وتبعاً لانتشار هذه المخدرات ازداد حجم التعاطي وحجم الإجرام معاً , حتى أصبح تعاطي المخدرات وإدمانها وترويجها مصيبة كبرى ابتل بها شبابنا في الجنوب , وهذا عمل ممنهج من قبل أعداء الإنسانية وأعداء الوطن الذي يريدوا تبليد الشباب وتخريب الوطن لكون الشباب هم رواد البلدان وأساسها , وجميعنا يعلم أن هناك كميات كبيرة من المخدرات بكل أنواعها تم ضبطها أخيراً وخلال فترات متعددة من قبل بعض النقاط الأمنية المتيقظة والعيون الساهرة في مداخل العاصمة عدن بحوزت بعض الموردين ومن بينهم نساء بغرض أدخالها إلى تلك المدينة الحضارية بطبيعتها وثقافتها والجميلة بناسها وشبابها , وذلك خير دليل على أن هناك قوى واجندة خارجية لها نفوذ وتعمل جاهدتاً للإتجار بها في الجنوب عامة وعدن خاصة لاغراض سياسية ممنهجة وتدميرية.

فإن لم نتدارك تلك الظاهرة ونقض عليها ستكون بالتأكيد العامل المباشر والسريع لتدمير كياننا وتقويض بنيانه , لأنه لا أمل ولا رجاء ولا مستقبل لشباب يدمن هذه المخدرات , والخوف كل الخوف من مجتمع تروج فيه المخدرات , ذلك لأن الأفراد الذين يتعاطون المخدرات يتطور بهم الحال إلى الإدمان والمرض والجنون , ليعيشوا بقية عمرهم ـ إذا امتد بهم العمر ـ في معزل عن الناس وعلى هامش الحياة لا دور لهم في الوطن ولا أمل.

وبزيادة إقبال الشباب على تعاطي المواد المخدرة ، لم يعد الأمر مقتصراً على مجرد حالات فردية يمكن التعامل معها ، من خلال المنظور الفردي , سواء بالعلاج الطبي أو الجنائي , بل تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية , بل مأساة اجتماعية خطيرة ، وهنا لابد أن ننظر إليها من مستوى اجتماعي وقومي وقانوني.

وهناك أسباب كثيرة تؤدي بالشباب إلى التجاوب لتعاطي المخدرات وترويجها , ولعل أهم الأسباب الاجتماعية الظروف الصعبة في العمل وانتشار البطالة بسبب سياسة التجويع من قبل حكومات الفساد المتداولة وكثرة انتشار الأفلام الهابطة التي تروج لها , والتقليد الأعمى الذي يسيطر على مراهقينا مع الفقر الذي يلجئهم للبحث عمن يعطيه أو يغنيه فيتلقفه أرباب الفساد وتجار الرذيلة , وكذا المشاكل الأسرية والخلافات المجتمعية بسبب الفقر كثيراً ما يدفع عائل الأسرة للجوء إلى المخدرات هرباً من الواقع المؤلم الذي يعيشونه وكذا سوء معاملة الأولاد , أو الإفراط في تدليلهم وتلبية رغباتهم , وكذا عدم متابعة الأبناء وتعرف على أماكن ارتيادهم وجلوسهم والتعرف على قرائنهم وزملاءهم والترعيب وترهيب في حالة إنحرافهم وارتيادهم أماكن مشبوهة ومسايرت قرائن السوء.

وكذا يعد فقدان الوازع الديني وعدم اللجوء إلى الله في الشدائد والمحن والمشاكل الاسرية من العوامل الهامة في إحداث الإدمان ، ذلك أن الإنسان المتدين بعيد جداً عن جحيم الاعتياد إذ لا يمكن أن تمتد يده إلى المخدر لا بيعاً ولا تداولاً ولا تهريباً لأن طريق المخدرات هو طريق الشيطان ولا يمكن لطريق الرحمن أن يلتقي بطريق الشيطان .

فالمدمن على المخدرات يعد قتيلاً بين الأحياء , لكن روحه لا تزال متعلقة بجسده تتنازعه البقاء , وهو هزيل نحيل شبه مشلول فقد صحته وانحدرت نفسه , كما أن المخدرات مضيعة للوقت مذهبة للعقل تدخل صاحبها في غيبوبة تمنعه أداء صلواته وتحقيق عبادته وتنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم , كما أن سيطرتها على عقله تجره لارتكاب كل محرم من قتل وسرقة وإغتصاب وبذل عرض وسواها.

وهناك آثار عديدة ناتجة عن تعاطي المخدرات أهمها , تنامي تدهور صحة المدمن حتى يصبح عاطلاً عن العمل وهو عضو غير منتج في المجتمع , يميل إلى ارتكاب الجرائم , غير متحمل لمسئوليته كراع في أسرته , وينفق موارده لتحصيل ما يتوهم فيه اللذة من مخدر تاركاً أفراد أسرته دون طعام ولا كساء مما يؤدي إلى كثرة حدوث الطلاق في تلك العائلات , كما تكثر ولادة أطفال مشوهين الخلقة , ضعيفي البنية في أوساط المدمنين ,
وعندما يعجز المدمن عن تأمين المخدر بالطرق المتاحة كثيراً ما يلجأ لإجبار زوجته أو أبنته على البغاء , فانتشار المخدرات علامة على الرذيلة بكل صورها , وكما أن تعاطي المخدرات تؤثر سلباً على تطور الاوطان وأزدهارها بل يؤدي إلى  إنهيارها وتدهورها بسبب إنشاء جيل منهار عقلياً وجسدياً غير منتج وغير مبدع لا يستطيع تنمية وطنه وتطويره.

كما يعتبر تعاطي المخدرات والاتجار بها وتسهيل الحصول عليها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون إلى حد أن بعض الدول تطبق عقوبة الإعدام للممولين والمهربين والمتاجرين بها كما أنها تصادر أموالهم ومم يلاحظ أن في بعض القوانين العربية أن المدمن يعامل كالمجرم تماما مع اختلاف درجة العقوبة ومدتها وهذا يزيد من تدهور أحواله وتوريطه أكثر في مجتمع منحرف وهو السجن وقد يؤدي به إلى الجريمة , ولذلك يجب قبل كل شيء بحث الدوافع الاساسية لتلك لانحرافات وإصلاحها, وكذا البحث عن وسائل وبرامج علاجية إلى جانب العلاج الجنائي الرادع.

وفي هذا السياق يجب علينا ضبط المفاهيم حتى لا تختلط الأمور على القارئ ففي وطنا سيما مدينة عدن ينتشر ثلاثة أنواع من المخدرات وهي العقاقير وحبوب الهلوسة بكافة أنواعها , ومادة الحشيش التي تحتوي على مواد مخدرة وأكثر طرق تعاطيه انتشاراً هي تدخينه مع التبغ نظراً لسهولة استخدام هذه الطريقة , وكذا الكحول البلدية المصنعة محلياً من مادة السبرت ومواد كيميائية أخرى وعندما يتناولها الكائن البشري تؤدي إلى تغيير وظيفة أو أكثر من وظائفه الفيزيولوجية , وهذا النوع من الكحول ما راح ضحيته مجموعة من الشباب قبل اسابيع في العاصمة الجنوبية عدن من ضمنهم الفنان الشعبي الملقب "تنباكي" , والمخدر هو العقار الذي يؤدي تعاطيه إلى تغيير حالة الإنسان المزاجية والجسدية والعقلية وليس هذا فحسب بل هناك أضرار اجتماعية واقتصادية كل هذا بسبب الإدمان.

والإدمان ينقسم إلى قسمين نفسي وجسدي , الأول فيتعلق بتعود العقل وتكيف الشخص على تكرار أخذ جرعة من المخدر بصورة متصلة لتحقيق الراحة واللذة والنشوة ولتجنب الشعور بالقلق والتوتر , أما الثاني الإدمان الجسدي وهو ظاهرة انحراف الأعمال الوظيفية الطبيعية لجسم المدمن بحيث أصبح تناوله للمخدر بشكل دائم ضرورة ملحة للاستمرار حياته وتوازنه ولكن بجسم نحيل وسقيم وعقل مشوش غير واعي ومدرك لما يحيط فيه , وعند عدم وجود المخدر حينها عند المدمن يحدث له مصاعب كثيرة وأعراض خطيرة وقد يندفع لارتكاب أي جريمة للحصول على المخدر وقد يصاب بالجنون وفقد للإدراك والأرادة وقد يصل الحال إلى حدوث الموت المفوجئ بسبب توتر الاعصاب وتشنجها وإختلال النشاط العقلي والجسدي.

وللحد من هذه الظاهرة أي الجريمة والعمل على مكافحتها يجب على الجهات المعنية والمختصة عمل ندوات ومحاضرات توعية لشباب لتعريف عن أنواع المخدرات وأسبابها وآثارها على الفرد وعلى المجتمع والنهي عن تعاطيها وترويجها والاتجار بها والترهيب بعقوباتها القانونية , وكذا أعانت رجال الأمن على ضبط الاشخاص المتعاطين لها وأماكن ترويجها وبيعها من خلال التبليغ والمراقبة , كما يقع الدور الأكبر على الإعلام وخطباء المساجد للحد من هذه الظاهرة لكونهما أكثر أنتشاراً إلى مسامع العامة وذلك من خلال التوعية والتعريف بمخاطرها وآثارها الدينية والاجتماعية والاقتصادية وعقوبتها في شريعتنا الإسلامية كعقوبة اخروية واضرارها الجسدية وعقوبتها الدنيوية , ويجب سن قوانين رادعة وزاجرة لكل المتاجرين والمهربين والمروجين للمخدرات وكذا المتعاطين لها وتنفيذ تلك العقوبات بطرق قانونية سليمة لتكن رادعة لكل المهربين والمتاجرين بها والمتعاطين لها , وأيضاً يجب الاهتمام بمعالجة المشكلة من الناحية النفسية والاجتماعية وبحث الدوافع الحقيقية لها والمحاولة الجدية لإصلاحها ليكون العلاج النفسي والاجتماعي مرافقاً دائماً للعلاج القانوني الجزائي الرادع.

كتب/غازي المزارع الشعيبي.