صحافة دولية

#طهران إلى اين.. قراءة في المشهد الإيراني ..مسبباته وابعادة

من الاحتجاجات الشعبية في إيران

الثلاثاء - 02 يناير 2018 - الساعة 01:21 ص بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع :خاص


كتب الصحفي والمحلل السياسي العربي مصطفى اللباد مقالا نشره على شكل أجزاء في صفحته الرسمية في تويتر خصصنا للحديث عن آخر المستجدات في الساحة الإيرانية .
(١)
- الفروق بين تظاهرات ٢٠١٧ وتظاهرات الإصلاحيين ٢٠٠٩


نص المقال :

المعلومات المتاحة عن سير التظاهرات قليلة جدا ومع ذلك يمكن رصد الفروقات التالية: أولا المظاهرات في ٢٠١٧ منتشرة في مناطق إيرانية كثيرة على العكس من مظاهرات ٢٠٠٩ التي كانت منتشرة في المدن الكبرى فقط. ثانيا عدد المتظاهرين عام ٢٠١٧ قليل للغاية مقارنة بعام ٢٠٠٩. ثالثا لا توجد قيادة واضحة للحراك الحالي على العكس من ٢٠٠٩ بقيادة موسوي وكروبي. رابعا بدأت المظاهرات في مشهد معقل آية الله علم الهدى وصهره ابراهيم رئيسي -المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة- بشعار الموت لروحاني ولكنها خرجت عن السيطرة. خامسا شعار الاستقلال والحريّة والجمهورية الإيرانية الذي رفعه المتظاهرون يتصادم مع الشعارات المؤيدة لنجل الشاه المخلوع، الذي يبدو ان الرهان الغربي قد رسي عليه بدلا من الإصلاحيين ليصبح البديل من وجهة نظرهم، دون ان يعني ذلك بالطبع ان الإصلاحيين عملاء للغرب. سادسا كانت الطبقة الوسطى هي الرديف الأساسي للإصلاحيين عام ٢٠٠٩ في حين ان الشرائح الاجتماعية ما دون ذلك هي محرك التظاهرات الحالية على ما يبدو.

(٢)
- المحرك والمستفيد

من الخطأ الاعتقاد أن السعودية غريم إيران الاقليمي تقف وراء التظاهرات الإيرانية؛ فذلك امر يفوق موضوعيا قدراتها على التأثير في الداخل الإيراني، لكنها تحتفي طبعا بالشرخ في شعبية النظام الإيراني الناجم عن التظاهرات لأن ذلك يَصْب في مصلحتها. رأينا خلال اليومين الماضيين موقفا امريكيا واضحا داعما للتظاهرات، في حين لم يقم الرئيس الأمريكي السابق بدعم تظاهرات عام ٢٠٠٩. ومع ذلك لا تملك واشنطن القدرة على تحريك مظاهرات بذلك الاتساع في ايران، لكنها ستستعملها لتشديد الضغط على طهران. تحديد العامل المحرك للتظاهرات صعب ولكنه مكون من عدة عوامل: اولا السياسات النيوليبرالية لحكومة روحاني والإفقار المتزايد لشرائح واسعة من الإيرانيين بسبب الإنفاق المتزايد إقليميا في خضم الصراع الاقليمي الضاري. ثانيا الفساد الضارب اطنابه في المؤسسات الإيرانية وثالثا خيبة أمل قطاع من الإيرانيين من عدم تحسن الوضع المعيشي بعد رفع جزء من العقوبات في أعقاب الاتفاق النووي ٢٠١٥. رابعا ما يبدو من عدم انسجام بين اجنحة النظام الإيراني (روحاني مقابل رئيسي وأحمدي نجاد ضد الأخوة لاريجاني) ومحاولة استخدام التظاهرات للضغط على روحاني وهو ما يظهر في رغبة النظام الإيراني وكأن الاحتجاج موجه ضد روحاني فقط.


(٣)

الإسلام السياسي وغياب النموذج الاقتصادي
أظهرت التظاهرات الجارية في إيران وطأة السياسات النيوليبرالية التي تتبناها إيران تحت رئاسة روحاني على ملايين الإيرانيين، في تناقض فاقع وفاجع بين المنازلات السياسية مع أمريكا والغرب من جهة والتبني الكامل للأجندة النيوليبرالية في الاقتصاد من جهة أخرى. والحال أن غياب النموذج الاقتصادي الخاص لا ينطبق على إيران الإسلامية فقط، بل على حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا أيضا ذلك الذي يعترف دون قيد أو شرط بالتراتبية المعلومة للنظام الاقتصادي العالمي وينخرط فيها وفقا لقواعدها وشروطها بالرغم من خطابية أردوغان في مواجهة الغرب. تجربة "الإخوان المسلمين" في حكم السودان تظهر ذلك أيضا ولكن على نحو أكثر فداحة وفجاجة، أما تجربتهم القصيرة في مصر فأظهرت غيابا كاملا لأي نموذج اقتصادي خاص. ورأينا عندهم خلطا شنيعا بين التجارة والتنمية الاقتصادية، ومن يريد التأكد فليراجع تصريحات خيرت الشاطر في مناسبات وسياقات مختلفة. يستطيع الاسلام السياسي الحشد على خلفية قضايا الهوية، أو رفع شعارات سياسية جذابة أو ركوب موجات احتجاج، ولكنه يخفق دوما في اجتراح نموذج اقتصادي خاص سواء كان ذلك الاسلام السياسي سنيا أم شيعيا.!.


(٤)

-تشرذم المعارضة الإيرانية

مع دخول التظاهرات في إيران يومها الخامس على التوالي تبرز مشكلة قيادة المعارضة في أوضح صورها، فلا يستطيع أي حزب أو حركة سياسية داخل إيران أو خارجها إدعاء قيادة الحراك، ما يجعله في النهاية حراك بلا رأس. اللافت في التظاهرات الحالية أن هناك تلميعا لابن الشاه المخلوع والذي يعيش منذ ثمانية وثلاثين عاما في الولايات المتحدة الأمريكية ويحتفظ بعلاقات دافئة مع اللوبي الصهيوني في واشنطن. وبالإضافة إلى ابن الشاه فهناك "منظمة مجاهدي خلق" بزعامة مريم رجوي والتي يجري تلميعها غربيا أيضا بعد رفع منظمتها من قوائم الإرهاب الأمريكية والأوروبية. رضا بهلوي الابن ومريم رجوي كلاهما يدعي قيادة الحراك الجاري، الاول يستفيد من النوستالجيا المحيطة بفترة الشاه لدى بعض الشرائح الإيرانية وخصوصا في جيل الشباب الذي لم يعاصر فعليا حكم الشاه ولم يعرف مثالبه ولكنه يردد أساطير عن ارتفاع مستوى المعيشة وقتذاك في حالة شبيهة بنوستالجيا العائلة الحاكمة في مصر لدى قطاعات من لم يعش التجربة الملكية. والثانية تملك تنظيما يمتد من المنافي الأوروبية الى الامريكية وله علاقات وطيدة باللوبي الصهيوني ودوّل الخليج بعد انهيار النظام العراقي السابق الذي عد العراب الأساسي للتنظيم. لمست بنفسي نفور كثير من المعارضين الإيرانيين في المهجر من "مجاهدي خلق" لانه حارب جنبا الى جنب مع القوات العراقية ضد ايران في الحرب بينهما (١٩٨٠-١٩٨٨) ، وهو امر لا يغتفر لدى كثير من الإيرانيين. رضا بهلوي له بعض السمعة داخل ايران ولكنه لا يملك تنظيما، ومريم رجوي تملك تنظيما ولكن بالمقابل ليس لها سمعة جيدة داخل إيران. ماذا يعني ذلك عمليا في ضوء التلميع الغربي الحالي للطرفين؟. يتحين الغرب فرصة فرض قيادة للمعارضة معترف بها دوليا في حال استمرت التظاهرات خلال الفترة المقبلة وضغطت أكثر على النظام. في عام ٢٠٠٩ كانت قيادة المعارضة في الداخل وتتفق مع الخطوط الاساسية للنظام لكن اوباما لم يكن راغبا بالضغط على النظام الإيراني فتم قمع الحراك رغم المظاهرات المليونية. الآن ترامب راغب في التصعيد ويريد خلق قيادة مصطنعة للحراك كي يفاوضها على هواه ويضغط أشد الضغط على النظام الإيراني!.