صحافة استقصائية

‎الصحافة في دائرة الاستهداف أيضاً... من يحمي الكلمة؟

الأربعاء - 07 مارس 2018 - الساعة 04:50 م بتوقيت اليمن ،،،

صلاح السقلدي



‎ما زالت حقوق الإعلام والصحافة على وجه الخصوص في الجنوب، وبالذات في عدن والمكلا، تراوح مكانها من السوء والتعـدّي، إن لم نقل إن وضعها ازداد سوءاً. فإن كان ثمة تغييراً قد طرأ من بداية هذه الحرب حتى اليوم، فهو في تعدد الجهات المنتهِـكة لحقوق الصحافيين وممتلكاتهم. فبدلاً من جهة منتهكة واحدة كانت قبل هذه الحرب وخلال الربع قرن الماضي منذ عام 94م، متمثلة بأجهزة القمع الأمنية والاستخباراتية التابعة للنظام السابق، فقد أضحت اليوم جهات أمنية رسمية وسياسية وحزبية، بالإضافة إلى كيانات تسمى جزافاً مسميات أمنية وعسكرية وفكرية متطرفة أشبه بأشباح وكائنات زئبقية، وإن اتخذ بعضها أسماءً ظاهرية للتموية.







‎هذا فضلاً عن بعض الوحدات العسكرية التابعة لـ�التحالف�، والتي هي الأخرى في دائرة الاتهام لما يشملها من تُهم بامتلاك سجون ومعتقلات سرية تحتوي على العشرات من المعتقلين، بمن فيهم صحافيون، بحسب إفادات أسرهم وبلاغات هذه الأسر للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية التي تنفذها بشكل شبة يومي أمام مقرات �التحالف� وأمام السجون الأمنية والخاصة المتعددة بعدن والمكلا.





‎مهنة تُطاردها المتاعب




‎فكل هذه الأجهزة مجتمعة - إن استثنينا بعض من الجهات الأمنية التي ما تزال تقاوم للبقاء والنهوض بنفسها برغم ما يحيق بها من استهداف وعمليات إرهابية من كل الجهات - تتبع جهات داخلية حزبية وسياسية وجهات إقليمية تدين لها بالولاء والتبعية، مما يعني ذلك بالنسبة للصحافيين والإعلام بشكل عام وضع ملغوم يصعب التحرّك وسطه والاضطلاع بواجبهم المهني والوطني في إطاره، والتحرك فيه يعتبر ضربٌ من ضروب المغامرة وبالذات لمن يود القيام بعمل صحفي محايد على الأرض مثل التحقيقات الصحفية والتقارير التي تتقصي الحقائق، سواء في ما يتعلق بالحقوق العامة أو كشف حالات الفساد المالي والإداري المستشري الذي يطاول الممتلكات العامة والخاصة.






‎لم يعد الصحافي هو من يبحث عن المتاعب، بل المتاعب هي من تبحث عنه



‎يقال إن الصحافة هي �مهنة البحث عن المتاعب�، ولكن في وطنٌ متثقل بالمتاعب كوطننا هذا لم يعد الصحافي هو من يبحث عن المتاعب، بل المتاعب هي من تبحث عنه وتسعى إليه حبواً وهرولة، فهي تعرف عنوانه جيداً بعد أن أضحى القلم تُهمة تمشي على الأرض.





‎فأخطر ما يتعرض له هؤلاء الصحافيون في وضع مسموم كهذا، بالإضافة إلى خطورة تعدد هذه الأجهزة وتعدد تبعياتها المتشعبة، هو عمليات الدهم والإخفاء القسري والإيداع في سجون غير معروفه وغير شرعية تفتقر لأبسط مقومات الإنسانية، فضلاً عن أنها لا تتبع أدنى معايير الاعتقال القانوني من قَـبيل إحاطة النيابة بالأمر ناهيك عن استئذانها أصلاً، وهنا يتداخل بشكل خطير العمل الأمني الذي يستهدف العناصر المتطرفة وما يطاله من شرر بحق الصحفيين بقصد أو دون قصد، ونقصد هنا تحديداً الحالات الأمنية التي تطال بعض الصحافيين على طريقة وأسلوب �مقاومة� العناصر المتطرفة، كون ثمة استهداف آخر يطال الصحافيين أما بطرق كيدية شخصية على خلفيات عمل صحافي أو كشف تجاوزات معينة قام بها عابثون.






‎لا ينحصر التهديد والضرر على هؤلاء الصحفيين من هذه الجهات المسلحة فقط، بل من جهات أخرى بعضها سياسية وحزبية مدنية، فضلاً عمّا تشكّله الجماعات المتطرفة من خطورة عليهم وعلى عملهم المهني.



‎هذا علاوة على الاعتداءات التي طالت كثير من الصحافيين على خلفيات نشاطهم الصحفي الكاشف لكثير من حالات الفساد والنهب والبسط على الأراضي والاستحواذ على الأملاك والتجاوزات الإدارية والمحسوبية، وأغلب هذه الحالات تقوم بها شخصيات متنفذة عسكرية كانت أو إدارية أو سياسية ووجاهات قبيلة واجتماعية بحالات كثرة.



‎نماذج



‎في عاصمة حضرموت، المكلا، ما زال الصحافي عوض كشميم، يقبع خلف القضبان دون أن توجّـه حتى اليوم تهمة رسمية، بعد أسابيع من الاعتقال القسري لسبب إبداء رأيه بالحملة العسكرية ضد تنظيمي �القاعدة� و�الدولة� بوادي المسيني وسط المحافظة، بحسب ما أُشيع. ونحن في هذه التناولة في الوقت الذي نسجّـل فيه تضامننا مع كشميم، نطالب الجهات المعنية إطلاق سراحه فوراً أو تقديمه للعدالة، إن كان ثمة ما يستدعي ذلك، برغم يقيننا أن ما صدر من قبله ليس أكثر من إبداء رأي يحتمل الخطأ والصواب لمعرفتنا بتوجه الزميل كشيم السياسية الحداثية والمدنية الراقية.




‎في عدن، يُـستدعى الزميل فتحي بن لزرق، مالك موقع وصحيفة �عدن الغد� بأمر استدعاء للحضور أمام بحث عدن بصورة غامضة، مبعث الغموض يكمن بعدم تحديد الجهة المدعية بعد أن نفى مصدر أمني بإدارة البحث أن يكون هو من تقدم بالاستدعاء، موضحاً أنه لم يقم بأكثر من تحرير بلاغات استدعاء من مواطنين، وهو الأمر الذي لم يقنع الزميل بن لزرق وكثر من نشطاء صحافيين وآثر بن لزرق عدم الحضور بعد توجّسه من الطريقة والأسلوب المريب.
‎ومن نافلة القول والتأكيد على ما ذهبنا إليه من الإشارة إلى الانتهاكات التي تطال الصحافة والصحافيين بالجنوب، نورد نماذج أخرى من هذه الانتهاكات والتعديات.




‎جهات أمنية رسمية وسياسية وحزبية تنتهك حرية الصحافة في الجنوب




‎فخلال أقل من شهر في عدن هاجم مسلحون مركز عدن للبحوث والإحصاء بحي خورمكسر، الذي يديره الزميل الحنشي، وصحيفة �اليوم الثامن� الذي يرأس تحريرها الزميل صالح أبو عوذل، مما تسبب بإلحاق أضرار كبيرة بالمبنى والمقر؛ علاوة على الخسائر المالية بسبب توقف العمل، والضرر المعنوي الذي طال الزميلين الحنشي وعوذل.



‎وقبل ذلك تعرض مقر صحيفة �عدن 24� للاقتحام من قبل مسلحين، وتدميرها بشكل شبه كلي ونهبها بزعم ولائها للشيخ هاني بن بريك، نائب رئيس �المجلس الانتقالي الجنوبي�، مما أثار استهجان قطاع واسع من الصحفيين والمنظمات الحقوقية.




‎وآخر هذه التعديات كانت قبل أيام من نصيب صحيفة �أخبار اليوم� ومؤسسة �الشموع� التابعة للواء علي محسن الأحمر بمقرها في مدينة الخضراء شمال عدن، حيث قام عدد من المسلحين، بحسب إفادة حراس الصحيفة، بإضرام النيران بمقر الصحيفة ومطبعتها، لتأتي النيران على كل محتويات المقر، قبل أن يلوذوا بالفرار. وبحسب مصدر مقرّب من الصحيفة أيضاً، فقد تجاوزت الخسائر المليون دولار أمريكي.




‎نفق مظلم

‎هذه الواقعة كمثيلاتها قُـوبِلتْ بحملة استنكار كبيرة من الجميع. مثل هذه الانتهاكات والاعتداءات من المرجح أن نرى لها حالات مشابهة بقادم الأيام نظراً لمراوحة الوضع الأمني مكانه من التجاذبات والعبث به من قِـبلِ كثير من القوى الحزبية والسياسية، التي عادة وللأسف ما تنقل خصوماتها السياسية الى الميدان الأمني. هذا علاوة على غياب أفق التسوية السياسية، وبقاء الجنوب ساحة تنافس لمشاريع محلية يمنية وجنوبية وإقليمية متصادمة.






‎كل هذا يتم في ظل غياب مؤسسات الدولة وبالذات القضائية واستهداف ممنهج للمؤسسة الأمنية الرسمية المتبقية بعدن من أطراف متعددة بأذرعٍ إرهابية مسيّسة بمعظم الحالات، وتنال في ذات الوقت من حياة نشطاء جنوبيين بفريّـة الكفر والضلالة، كما حدث قبل للشابان عمر باطويل في كريتر في إبريل عام 2016م، وأمجد عبدالرحمن في 14مايو 2017م، في إحدى مقاهي الإنترنت بالشيخ عثمان. بل تعدى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، حين منع متشددون الصلاة على جثمان الضحية، وعلى إثر ذلك تعرّض الصحافيون هاني الجنيد، وحسام ردمان، وماجد الشعيبي، للاختطاف عند ذهابهم لأداء واجب العزاء في رفيقهم أمجد من قبل جماعات متشددة اقتادتهم إلى معسكر20 بكريتر، الذي يقوده شخص يدعى إمام النوبي، وهو أحد القيادات العسكرية هناك.