الافتتاحية

إفتتاحية البعدالرابع ..«الانتقالي»..فواتير التصعيد وحصاد التهدئة ؟

الشعار الرسمي المجلس الانتقالي الجنوبي

الأربعاء - 07 فبراير 2018 - الساعة 07:41 م بتوقيت اليمن ،،،

إفتتاحية البعد الرابع


ماذا بعد الصراع المسلح في عدن ؟

هذا السؤال استولى على اذهان جميع المعنيين والمراقبين لمسار الاحداث الاخيرة جنوباً ، قبل ان تعود الحالة السياسية الى رتابتها مع تغير لافت في الموازين العسكرية.


"عيدروس الزبيدي" اطلق في اكتوبر ونوفمبر من العام المنصرم بالونات اختبار سياسي تمثلت بحركة شعبية متواضعة تبنت مطلب اسقاط "حكومة بن دغر الفاسدة" ، لكن تجاهلها من قبل الشرعية والتحالف ، وتسارع الاحداث في صنعاء افقدتها جديتها وفعاليتها ، فاضحت بذلك ضربا من "المزاح السياسي الثقيل" ، على غرار اعتصام ساحة العروض في العام ٢٠١٤ ، والذي اكد دعاته على استمراره حتى تحقيق الاستقلال.


اعتصام العشرات امام معاشيق عزز لدى قيادة الشرعية انطباعها القديم عن وراثة "الانتقالي" لطباع الحراك الجنوبي من حيث مثالية الاهداف و خفة الوسائل .
بيد ان الزبيدي وبعد ان تهيئة الاجواء ، اثبت جدية مطالبه السياسية وقرر الذهاب بعيداً في تصعيده الشعبي من خلال التلويح باحتمالية اللجوء الى الخيار العسكري.. وقبل ان يفعل ذلك دفع الزبيدي مقدما "فواتير التصعيد" في بيانه الشهير اواخر يناير ، وهي شروط كان الهدف الرئيسي منها الاقتراب أكثر من الجانب السعودي مقابل الضوء الاصفر الاماراتي  ، من خلال الالتزام بمقتضيات الحرب العربية في وجه الحوثيين شمالاً ،  وتحيد الرئيس هادي والشرعية اليمنية عن اي مواجهة سياسية جنوباً.


ومقابل تلك التنازلات ابدى التحالف العربي تفهمه لموقف "الانتقالي" باقراره احقية المطالب الشعبية الرامية الى " تصويب الاختلالات الحكومية"، وبحسب مراقبون فإن بيان التحالف مثل فاتحة  لانتصار مؤقت  على الشرعية ،  خصوصاً وهو تعاطى مع مشهد الصراع بدعوة وجهها لطرفي النزاع وهذا التوصيف منح الانتقالي اعتراف ضمني باعتباره  طرف يملك حيثية  سياسية وحاضنه شعبية  وقوة عسكرية مكنته من انتزاع حق  حصري لتمثيل الحراك الجنوبي في أول مبادرة إيجابية من دول التحالف تجاه حراك الجنوب .


ورغم هذه الترتيبات انفجرت المواجهات جنوباً ، لكن الحياد العسكري والسياسي من قبل التحالف العربي ظل على حاله ، وبعد معارك ضارية حصد الانتقالي مكاسب ميدانية عززت من سيطروته شبة المطلقة على العاصمة عدن ، وانتهت بفرضه حصاراً خانقاً على مقر الحكومة اليمنية في معاشيق ومقرات سيادية أخرى .


الرياض لم تخفي سخطها من اهتزاز صورة الشرعية اليمنية في عاصمتها المؤقتة ، ولاحتواء ذلك كثفت من وساطتها العسكرية عبر وفد عسكري وأمني ألزم جميع الاطراف بوقف اطلاق النار وحاول إعادة الوضع في عدن "الى سابق عهده".


ومرة اخرى بادر "الانتقالي" الى دفع فواتير التهدئة بالانسحاب من معاشيق و تسليم المواقع العسكرية الى جهات محايدة ، وفي بعض الاحيان تم تسليم المعسكرات لذات القوات الموالية للشرعية كما حدث مع اللواء ثالث حماية رئاسية. 


وكاثبات عملاني على الوفاء بشروط الرياض، حول عيدروس وجهته صوب "مريس" التي هي خارج نطاق جغرافيته السياسية ، فيما تفيد مصادر مواكبة لتحركات الزبيدي عزمه دعم وتزخيم جبهات محافظة إب في إطار موقف استراتجي يستهدف محاربة الحوثيين شمالاً بسلاح ومقاتلي "المقاومة الجنوبية"، كما هو الحال في الساحل الغربي.



هكذا خفف الانتقالي -استباقياً- التداعيات السلبية لتحركاته الجريئة ، لكنه في الوقت ذاته استنفد مجموعة معتبرة من اوراقه العسكرية ومكاسبه الميدانية كي يلبي "متطلبات التصعيد" دون بلوغ كامل "اهدافه" والتي تتوخى بصورة رئسية تصويب معادلة الشراكة المختلة بين الحراك والشرعية من جهة ،و اصلاح بنيتها السياسية التي لا تنسجم مع حقائق القوة من جهة اخرى .


وهو  ما يستدعي تباعاً فتح حوار سياسي جاد مع جميع القوى السياسية الفاعلة شمالاً وجنوباً ، وبلورة تسوية سياسية معقولة بإشراف قيادة التحالف العربي ، وضمان حيثية تمثيلية وازنة للانتقالي داخل مؤسسات الشرعية .. فما الذي تحقق من ذلك؟!


حتى الان نجح الانتقالي بالتقاط زمام المبادرة وفرض إيقاعه الخاص على الأزمة اليمنية ، وهو إيقاع استولد توازنات قوضت في جزء بسيط منها من احتمالية انعقاد البرلمان اليمني في عدن ، لكن هذه التوازنات في شقها الاعم ما تزال مفتوحه امام جهود الاستثمار السياسي .


اما الشرعية فقد نجحت بامتصاص الصدمة العسكرية: اولاً من خلال الوساطة السعودية ، وثانياً من خلال شراء الوقت بحيث ترحل مطالب الشراكة وتغير الحكومة "حتى الانتهاء من العدو الحوثي ، وبعدها نتحاور" ، وذلك على حد وصف نائب رئيس الجمهورية على محسن الاحمر في اخر لقاء صحفي له.


"فواتير التصعيد وكذلك التهدئة" التي قدمها الانتقالي للحلفاء لم تكفي لضمان التحولات المأمولة سياسياً .. لكن اما وقد استعصت فرصة الفوز بالضربة القاضية فالجدير بالقيادة الحراكية حصد أكبر قدر من النقاط السياسية .


لا سيما وان الدور السعودي - الامارتي لم يتطور الى مستوى جهود الوساطة ، واكتفى برد فعل رجل المرور اليمني حينما يعتقد بتساوي طرفي الصدام في نسب الخطأ ؛ فيفض اشتباك المتخاصمين ثم يصرخ في وجههم  : " كل واحد يصلح سيارته".. 


وجدير "بالانتقالي" ألا يغادر ساحة الصراع قبل ان يضمن الحد الادنى من مطالبه ، على الاقل وفق قاعدة "ثلثين بثلث".