أخبار وتقارير

الإفتتاحية بقلم رئيس التحرير : التصالح والتسامح ... من الشعار الى الواقع

الأربعاء - 16 يناير 2019 - الساعة 02:23 ص بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع : خاص


في ذكرى التصالح والتسامح سيطغى الحديث الانشائي والعاطفي على الطرح النقدي والمراجعة الصريحة .. وتلك عادة اثيرة لدى الطبقة السياسية الجنوبية التي تحاول مداراة العيوب من خلال تجنب الحديث عنها ، او بتقديم خطاب مضاد لها دون النظر الى جوهر المشكلة وسبل الحل الأنجح ..

بالطبع فان يناير ١٩٨٦ يمثل جرحا غائرا في وجدان كل جنوبي ، ويدرك العقلاء منهم انه كان المقدمة الفعلية لاضعاف الدولة من الداخل ثم الزج بها في وحدة 22 مايو ١٩٩٠ بمغامرات سياسية غير مدركة قادتنا نتائجها .

لكن المفارقة اللافتة هي ان الجنوبيون ينتجون الظاهرة ونقيضها بنفس الوقت ،كما انهم يدركون الصواب ويفعلون عكسه في كثير من المحطات..

في التاريخ المعاصر للجنوب كان "يناير" نقطة الضعف الاساسية التي اجهزت عمليا على بريق و مثالية التجربة السياسية والاجتماعية في "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" ، حينها ظن الفائزون ان ما حصل "يعني انتصار الحزب وفشل المؤامرة" ، لكن المفكر الماركسي اللبناني فواز طربلسي وبعد ان زار عدن عقب الكارثة الكبرى التي راح ضحيتها ١٠ الف شخص ، قال لعدد من الرفاق ان ما جرى لم ينضوي على اي انتصار ... عمليا "لقد انقسم الحزب وفشلت التجربة" .

كان هذا الصراع هو التعبير الدموي لشكل الانقسامات المناطقية ، رغم ان الصراع لم يبدأ كذلك بل كان سياسيا صرفا ، لكنه انتهى اجتماعيا الى ما وصف "بالتصفية على الهوية" .

بعد عقدين من التقلبات الكبرى ، وفي يناير ٢٠٠٧م تداعى الجنوب مجددا كمعارضة سياسية واجتماعية ، وقرر التصالح والتسامح عما اقترفته الطبقة الحاكمة في دولته التي يصبو الان الى استعادتها.

وكانت هذه الفعالية التوحيدية قاعدة اساسية لانطلاق قوة الدفع الذاتي للحراك الجنوبي في وجه نظام صنعاء ، وحولت الجنوب من وضعية الهزيمة النفسية والمادية الى مرحلة التماسك الذي سمح للبيض وناصر بالجلوس مجددا ، وانهى ثنائية الزمرة والطغمة على المستوى السياسي جنوبا، وان ظلت حاضرة اجتماعيا بقوة.

لكن ما الذي قدمته القوى السياسية الجنوبية لهذا المبدأ سوى تحويله الى شعار ؟؟ لعل سؤال كهذا يبدو ملحا جدا اليوم خصوصا وان يناير ٢٠١٨ قد حمل صراعا مسلحا داميا في العاصمة المؤقتة ، ولكأن الجنوبيون لم يتعلموا من دروس التاربخ ، صحيح ان دوافعه السياسية كان مختلفة ، لكن ملامحه الاجتماعية واصطفافاته المناطقية لم تختلف كثيرا عن الماضي .

ولعل المجلس الانتقالي الجنوبي هو اكثر الاطراف السياسية المعنية با ايجاد اجابة نظرية واجراءات عملية تسمح بتجاوز هذه الانتماءات الصغيرة ، كونه من يدعي تمثيل الجنوب ، وكونه الفاعل السياسي الاكثر شعبية وقوة ، والتجلي التنظيمي لاهداف و فصائل الحراك..

على الانتقالي ان يعرف بانه يمثل قضية سياسية عادله ، لكنه بالمثل يقود مجتمعا مقسما ومتشظيا تم تجريف وعيه وبناه على مدى عقود ، واصبح ساحة مفتوحة للاستقطابات والاستجابات التي تجد فرصتها السياسية من خلال اذكاء نيران الهويات الصغرى.

لقد كان الحراك محقا في مرحلة الضعف والهزيمة والتشظي حينما اعاد تعريف نفسه هوياتيا ضد الاخر الشمالي، فقد افقتد الى ادوات التنظيم والفعل والسياسي ، لكن الجنوب اليوم وبعد ان بات منتصرا في ارضه ومتوحدا حول ممثليه عليه ان يعيد تعريف نفسه على اساس مغاير يتخطى مجرد التمايز الهوياتي بين الجنوب والشمال.

ان جوهر القضية الجنوبية يمكن اختصاره في قيمتين اساسيتين : الديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية . وعليه فان اعادة العمل على هذا الاساس يعني تحقيق قطيعة تاريخية مع ادوات ومفاهيم العمل السياسي المتخلف والرامي الى توظيف التناقضات تكتيكيا لاجل مصالح القلة الحاكمة ، على حساب السواد الاعظم من ابناء الشعب المفقرين.

بإختصار لا يكفي للمجلس الانتقالي ان يكون جنوبيا وحسب ، يجب ان يكون ديمقراطيا على المستوى السياسي وان ينحاز الى الفقراء ويتبنى همومهم كمضمون اجتماعي ، لكن الارتكاز على استقطاب مراكز القوى وشراء ولاءها بصرف النظر على توجهاتها ، واستمرار الادعاء بحصرية تمثيل الجنوب دون افساح المجال الى القوى الاخرى الحليفة او الصديقة او حتى المنافسة لك ، انما يؤدي الى تكرار ذات الاخطاء والتي ستقود الى ذات الكوارث .

على الانتقالي ان يتعلم من تجربة المؤتمر الذي اهتم بالسلطة على حساب مكافحة الفساد وتحقيق العدالة ، ومن تجربة الحزب الاشتراكي الذي تخلى عن الديمقراطية لإنجاز تحولات طبقية مثيرة للإعجاب داخل المجتمع الجنوبي لكنه اسس لنظام شمولي ظل مهددا بالانفجار من الداخل..

هكذا يتحول شعار التصالح والتسامح الى نهج سياسي يسمح للجيل السياسي الشاب تجاوز عثرات الماضي من ٨٦ ، الى ٩٠ ، وحتى ٩٤.

حاليا يحاول الانتقالي مجابهة المناطقية من خلال خطاب اعلامي وسياسي مضاد ، وهو بذلك لن يكون افضل من الحزب الاشتراكي الذي الغى الالقاب والغى أسماء المحافظات وكان وحدويا وامميا ، ومع ذلك انفجرت امراضه الكامنة .. والانتقالي سيظل مهددا بهذه الاصطفافات المناطقية اكثر من اي وقت مضى ، مالم يفتح مع جميع الجنوبيين حوارا واسعا للاتفاق على شكل المستقبل .

بإختصار سيظل التصالح والتسامح مجرد شعار ، طالما ظلت الديمقراطية والعدالة الاجتماعية مجرد شعار . وطالما افرغت القضية الجنوبية من مضمونها الاجتماعي الاقتصادي لمصلحة النزعة الهوياتية التي يمكن استدعاءها لتحقيق النصر على الاخر الشمالي ، لكنها لا تكفي لتحقيق النجاح في الداخل الجنوبي.
*ماجد الشعيبي :
*رئيس تحرير موقع البعد الرابع