صحافة دولية

“عسكرة” البحر الأحمر المتسارعة هل تتطور الى حرب إقليمية؟

الثلاثاء - 16 يناير 2018 - الساعة 11:22 م بتوقيت اليمن ،،،

المصدر : رأي اليوم


كان البحر الأحمر يوصف طوال العقود وربما العقود الماضية بأنه “بحيرة عربية”، ولكن من يتابع الصراع الإقليمي والدولي المتصاعد للسيطرة عليه هذه الأيام يخرج بإنطباع مناقض تماما، ومن غير المستبعد ان يتطور هذا الصراع الى حروب مباشرة، او بالإنابة، مما يزعزع استقرار دول المنطقة المستهدفة.
الازمة الخليجية، وحرب اليمن، وازمات الامن المائي المتمحورة حول نهر النيل، كلها تلقي بظلالها حاليا على البحر الأحمر، بطريقة او بأخرى، وتهدد “بعسكرته”، وخلق حالة من التوتر الامني والعسكري غير مسبوقة على ضفتي هذا البحر الذي تمر عبره اكثر من 13 بالمئة من التجارة العالمية، وحوالي 18 مليون برميل من النفط يوميا.
ثلاث دول رئيسية في مدخل البحر الأحمر، تتحكم في مضيق باب المندب، مدخله الجنوبي، باتت تتحول الى نقطة جذب مغناطيسي للقواعد العسكرية الأجنبية، هي جيبوتي واريتريا واليمن، فالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن، روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وامريكا تملك قواعد عسكرية في جيبوتي، وانضمت اليها أخيرا إيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية، اما إسرائيل والامارات فقد فضلت إقامة قواعد لها في اريتريا القريبة، بينما اختارت تركيا الصومال والسودان (سواكن) كمكان مفضل لتمددها العسكري في القارة الافريقية، وشواطيء البحر الأحمر.
الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في 24 كانون الأول “ديسمبر” الماضي واستغرقت ثلاثة أيام جرى خلالها توقيع 13 اتفاقية تجارية وامنية، من بينها تأجير جزيرة “سواكن” السودانية على البحر الأحمر لتركيا لمدة 99 عاما، هذه الزيارة القت حجرا كبيرا في مياه البحر الاحمر التي كانت “شبه هادئة” طوال السنوات الماضية.
مصر تتحسس كثيرا من التحرك التركي في فنائها الجنوبي، بحكم العلاقة الوثيقة بين حزب العدالة والتنمية وحركة “الاخوان المسلمين” المعارضة، وترى في هذا التقارب “الاخواني” السوداني التركي تهديدا مباشرا، ولهذا فرشت السجاد الأحمر للرئيس الاريتري اسياس افورقي الذي زارها الأسبوع الماضي لتكوين تحالف إقليمي مضاد يحظى بدعم السعودية والامارات.
الحكومة المصرية لم تعلق على زيارة الرئيس التركي للخرطوم، ولكن الاعلام الرسمي الناطق بإسمها اعتبر هذه الزيارة، وانباء إقامة قاعدة عسكرية تركية في “سواكن” مؤامرة على الامن القومي المصري، والرئيس اردوغان الذي رفع إشارة رابعة اثناء استقباله في قصر قرطاج التونسي بعد زيارة السودان لا يخفي عداءه للرئيس السيسي وحكومته.
الخبراء الاستراتيجيون يقولون ان جبهة شرق السودان وجنوب مصر تزداد سخونة، حيث بات هناك حلف مصري اريتري في مواجهة حلف سوداني تركي مدعوم قطريا، وترددت انباء عن حشودات مصرية قبالة منطقة كسلا، دفعت بالحكومة السودانية الى اعلان حالة الطوارئ القصوى في المدينة تحسبا لأي طارئ.
دول التحالف العربي التي تقاطع دولة قطر تقف في خندق الحلف المصري الاريتري، لانها لا تريد ان تنجح تركيا في إقامة قاعدة عسكرية في “سواكن” السودانية، تجنبا لتكرار نظيرتها التركية المماثلة في دولة قطر، التي زاد عدد الجنود الاتراك فيها عن ثلاثين الف جندي، ونجحت هذه القاعدة في حماية قطر من أي تدخل عسكري حتى الآن على الأقل.
تركيا تتصرف بذكاء كبير في خطتها لتوسيع نفوذها في القارة الافريقية، فقد فتحت 40 سفارة في دولها، وقام رئيسها اردوغان بزيارة معظم هذه الدول مصحوبا بوفد من رجال الاعمال يزيد تعدادهم عن مئة، وقعوا مئات الاتفاقيات التجارية والتنموية مع نظرائهم الافارقة، الى جانب فتح خطوط جوية بين عواصم افريقية وإسطنبول وانقرة بقيادة الشركة التركية الوطنية الناقلة.
هذا التحرك التركي يزعج مصر التي كانت تملك اليد العليا في القارة الافريقية، ولم ينكمش نفوذها الى حدوده الدنيا فقط، وانما تحول الى عداوات مع دول افريقية عديدة، مثل اثيوبيا التي تتوتر علاقاتها معها على أرضية سد النهضة الذي سيؤثر افتتاحه على حصة مصر من مياه النيل، وكذلك مع دول حوض النيل، مثل كينيا واوغندا التي تطالب بتعديل اتفاق الحصص، وأخيرا السودان.
صحيح ان تطور التدخل العسكري الى مواجهات بين مصر والسودان مستبعد في نظر الكثير من الخبراء، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة للبلدين، وانشغالهما في حروب ضد الإرهاب، ولكن التوتر يتصاعد، وبتغذية اطراف خارجية، والقوات المصرية وصلت الى منطقة “ساوا” الارتيرية، والتوتر بين البلدين في تصاعد مستمر، وهناك انباء تقول بأن حربا بالإنابة بين مصر والسودان تشتعل اوارها في دارفور حيث اتهم الرئيس عمر البشير مصر بتزويد المتمردين بعربات مدرعة، وهو ما نفاه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما وجه رسالة الى الحكومتين الاثيوبية والسودانية تقول “مصر لن تدخل في حروب مع اشقائها.. ولا تتآمر على احد”.
علمتنا التجارب انه لا احد يعرف متى تشتعل الحروب ولا متى تتوقف، ولنا في حرب اليمن احد الأمثلة، فمن كان يتوقع من السعودية والامارات والبحرين وقطر (قبل انسحابها او اجبارها على الانسحاب) سترسل طائرات عاصفة حزمها لقصف اليمن قبل ثلاث سنوات وهي دول تصنف على انها “مسالمة” تنأى بنفسها عن الحروب؟
كبار الحروب تشتعل من صغائر الشرر، والبحر الأحمر يتجه نحو “العسكرة”، والقوى العظمى والإقليمية باتت تتنافس للسيطرة عليه، ومن المحزن انه لم يعد “بحيرة عربية” مثلما كان عليه الحال لعقود، وربما لقرون، والسبب هو قُصر نظر الحكومات العربية المطلة على ضفافه التي فرطت به، مثلما فرطت بمناطق وبحور استراتيجية لا تقل أهمية، مثل الخليج والعراق وسورية وليبيا واليمن، وقبلها فلسطين، والقائمة تطول.
“راي اليوم”