البعد السياسي

هادي والمجلس الانتقالي هل قطعت شعرة معاوية ؟

الرئيس الجنوبي عيدروس قاسم الزبيدي

الإثنين - 25 ديسمبر 2017 - الساعة 08:49 م بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع :خاص

وزارة النقل ومحافظتي لحج والضالع باتت خارج النفوذ السلطوي للمجلس الانتقالي الجنوبي.. 
 استئناف "الشرعية" سياستها الإقصائية بحق الحراك الجنوبي عبر حزمة قرارات رئاسية ستعيد خلط الأوراق السياسية جنوبا


في العلن، لم تكن الأجواء الإعلامية تفيد بأي حدث جلل في اعقاب التهدئة السياسية، التي كانت أبرز تجلياتها: لقاء ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد  بقيادات حزب الإصلاح، واستكمال المجلس الانتقالي بناءه التنظيمي في ظل رسائل تطمينية تناوبت قياداته على ترديدها، بغية تدفئة العلاقة الحراكية - الشرعية.


لكن "لقاء الرياض" و"اجتماع عدن" ، لم يعبرا عن تفاهمات سياسية حقيقية بقدر ما شكلا اعترافا ضمنيا بتوازنات "ما بعد صالح"، حيث عاد "الإصلاح" ومن خلفه الشرعية، ليكونا اللاعب الأقوى في المشهد اليمني.. وذلك على حساب قوة مارقة في صنعاء، وقوة ناشئة في عدن.


عبدربه لم يتوانَ عن إصدار قرارات جديدة، تشير تفاصيلها إلى أنها قد طُبِختْ على عجل، وذلك لسببين رئيسيين: (الأول) كبح التقدم السياسي الذي ينجزه الحراك على مستوى بنائه الذاتي، و(الثاني) استثمار موازين القوى السياسية، والتي لم تعد تميل لمصلحة أبوظبي وحلفائها.


فالرياض، وتحديدا "بن سلمان"، عاد لممارسة دوره الحيادي، بعد أن أبدى كثيرا من الانحياز للجانب الإماراتي، منذ توليه منصب "ولي العهد". 


 أما عبدربه والإصلاح، فأحيطا بأجواء سعودية شبيهة بتلك التي ساعدتهما أبان ولاية بن نايف للعهد، وبأجواء يمنية شبيهة بعام ٢٠١١، والتي سعى الإصلاح فيها إلى تصفية "صالح" أولاً ومحاربة الحوثي ثانياً وضرب الحراك ثالثاً.. الهدف الأول تحقق على يد غرمائم، والهدف الثاني يراد له أن يتحقق بدفع حلفائهم، أما الثالث فجارٍ العمل على تحقيقه!!


* تغيير المحافظين 


في تفاصيل القرارات يظهر لنا أولاً أن الرئيس هادي، وإن أمعن في مخاصمة "الانتقالي"، فإنه لم يتجاسر على مصادمة حقائق القوة في أهم محافظتين حراكيتين، لذا فإن تغييراته لم تضمن فرض واقع جديد، بقدر ما نجحت في خلط الأوراق.


ولأن القرار جاء كرد فعل على اجتماع الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، فإنه تم الاكتفاء بتصعيد قيادات ميدانية من داخل البيئة الحراكية، لا تمتلك أي رصيد سياسي أو إداري، كما إنها لا تحظى بأي قاعدة شعبية، وأيضاً لا يُعرف - بشكل نهائي - مستقر ولائها السياسي.


محافظ لحج الجديد، اللواء "أحمد عبدالله تركي"، هو أحد العسكريين الجنوبيين الذين تم إقصاؤهم بعد حرب ٩٤، كان قياديا في المقاومة الجنوبية، وشارك في معركة تحرير قاعدة العند في حرب 2015، ومن ثم أشرف على جبهتي "طور الباحة" و"خور عميرة"، وعُيِّن من قبل هادي قائدا للواء ١٧ مشاة.


أما محافظ الضالع، فهو اللواء "علي مقبل"، وكان قائدا ميدانيا في المقاومة الجنوبية في الحرب الأخيرة، وعُرف عنه قربه من قائدها "عيدوس الزْبيدي"..  وبعد هزيمة وطرد المليشيات الحوثية وقوات "صالح" من محافظة الضالع، عينه هادي قائدا للواء ٣٣ مدرع، والذي بات محورا عسكريا اليوم.
 "مقبل" لم يكن على علاقة جيدة بالسيد فضل الجعدي (محافظ الضالع السابق)، ورفض التعاون معه مرارا لفرض الأمن في المحافظة، وكانت حجته هي "الحياد".. وعلى الرغم من ذلك إلا أن "الجعدي" بادر بتهنئة "عباد" بعد قرار تعيينه خلفاً له.


السيرة الذاتية للرجلين، "تركي" و"عباد"، تبدو متماثلة لجهة تكوينهما العسكري وموقعهما السياسي.


"رجال الصف الثالث" في الجنوب، كانوا على الدوام مادة خصبة للاستقطابات السياسية الحادة، والتي عكف "بن عرب"، خلال الفترة الأخيرة، على استثمارها وترتيبها في لحج والضالع، فيما اضطلع "بن دغر " لإنجاز تلك المهمة في عدن.


* التغيير الوزاري


الشق الآخر من القرارات تعلق بالحقائب الوزارية، وقد كان أكثر جرأة وصدامية.


وزارة النقل، ومنذ انتفاضة ٢٠١١، مثَّلت حقيبة (اشتراكية-حراكية)، عُيِّن فيها أولا السيد "واعد باذيب"، قبل أن يصدر "هادي" في العام ٢٠١٥ مرسوما يقضي بتعيين القيادي الحراكي "صلاح الشنفرة" وزيرا لها، لكن الأخير رفض القرار، وآلت الحقيبة في النهاية إلى السيد "مراد الحالمي"، القيادي في الحراك والحزب الاشتراكي، على حد سواء.


"الحالمي" لم يقطع تواصله الحيوي مع الشرعية، ممثلة برئيس الجمهورية.. وفي مؤتمر حضرموت الجامع، اختاره "هادي" من بين جميع الوزراء ممثلا عنه لإلقاء كلمته في المؤتمر حينها.. واستطاع أن يفصل - بدرجة كبيرة - بين موقعه الحكومي وبين موقفه السياسي. غير أن تسارع الأحداث أجبر السياسي الشاب على التموضع في إطار المجلس الانتقالي الجنوبي، ومن يومها ظل مقعده مهددا، أسوة ببقية زملائه، رغم أن أداءه الإداري لم يتأثر بخياراته السياسية.


بإقالة "الحالمي"، لا ينقلب "هادي" على قواعد الشراكة مع الجنوب وحسب، بل وعلى قواعد "الشرعية التوافقية"، التي مثَّل "الحزب الاشتراكي اليمني" أهم مرتكزاتها، وهو اليوم يُدفع كليا إلى خارج مقاعدها.


بدائل الشرعية لم تكن أقل كارثية من اندفاعتها.. "صالح الجبواني" هو نموذج حي ل"السياسي الزاعق".. تزلفه لهادي كان الثابتة الوحيدة في خطاب الوزير الجديد، خلال الأعوام الأخيرة، وما دون ذلك فقد تقلّب الرجل بين كل الأهواء والتوجهات.
 واللافت للانتباه كانت تصريحاته العدائية ضد الدور الإماراتي في التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، والتي تشير  إلى أن تغييرات هادي الأخيرة لم تكن محل رضى أبو ظبي، كما يطرح بعض المحللين، بقدر ما تمثله من تحدٍّ واضح لها.



الغريب في قرارات هادي كان تغييره للواء "بن عرب"، رغم قربه منه، والأكثر غرابة كان تعيين الشخصية الجنوبية (الإشكالية) "أحمد الميسري" بديلا عنه.


من مفارقات الرئاسة اليمنية أنها تعيّن العسكريين في المناصب المدنية، والمدنيين في المناصب العسكرية والأمنية. ونظرا لتجربة "الميسري"، فإن ما يُحفظ له في الذاكرة العامة هو فشله الذريع في قيادة تجربة "اللجان الشعبية"، ثم وزارة الزراعة.. أما قربه من الشيخ أحمد صالح العيسي، ومهاجمته الدائمة للمجلس الانتقالي، فقد كانا أحد أهم أسباب توليه منصب وزير الداخلية. 

من المؤكد أن "هادي" لا ينوي بهذا القرار "إقالة نفسه بنفسه".. وبحسب ما ترجح أوساط سياسية جنوبية، فإن قرارا كهذا غرضه الرئيسي توتير المؤسسة الأمنية، تمهيدا لإقالة اللواء شلال علي شائع، مدير أمن العاصمة عدن. ما يُنبِّئ بجولة صراع محموم تنتظرها الساحة الجنوبية خلال الأيام القادمة، والتي على أساسها سيعاد رسم الخارطة السياسية للجنوب.