الافتتاحية

أفتتاحية البعد الرابع : ترامب والحديدة.. من التصعيد إلى التعقيد

الأربعاء - 01 أغسطس 2018 - الساعة 02:24 ص بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع : خاص








انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي شجع التحالف العربي على كسر التوازنات اليمنية الجامدة منذ ثلاثة أعوام ، وحفز قواته العسكرية للاندفاع نحو مركز وميناء محافظة الحديدة ؛ باعتبارها آخر مرتكز استراتجي يغذي خارطة النفوذ الحوثي بعناصر الاستدامة السلطوية والاقتصادية ، ويضفي عليها أهميتها الجيوسياسية .


لكن سياق الأحداث لاحقا ، أثبت أن تلك "اللحظة الاستراتيجية" لم تكن كافية وحدها لحسم "أم المعارك" .. وذلك في ضوء التردد الأمريكي الرسمي  والممانعة الأوروبية العتيدة والنفير الأممي الساعي إلى استئناف مشاورات السلام .. 


معظم دول العالم أعلنت رفضها الصريح لأي عملية عسكرية واسعة في الساحل الغربي و حذرت من وقوع كارثة انسانية.. أما أميركا فاكتفت بمنح حلفائها العرب "ضوء أصفر" يحيل المواجهة الخاطفة الى معارك استنزافية ، و يجعل العمليات العسكرية في الساحل الغربي أداة ضغط محدود ضمن حزمة إجراءات عقابية أوسع هدفها تغيير السلوك الإيراني لتحسين شروط الاتفاق النووي ، مع تسويق وتسريع مشروع "الناتو العربي السني" كبديل موضوعي ومزدوج : يعدل موازين القوى المختل في الشرق الأوسط ، ويخفض تكاليف وأعباء التدخل الأمريكي المباشر .. وهو ما تتجلى مقدماته العملاتية في البحر الأحمر من خلال مناورات سعودية إمارتية مصرية أمريكية مشتركة.


بتعبير أدق أراد البيت الأبيض تعبيد الطريق أكثر نحو صفقة القرن ، مع الإبقاء على مجال للمناورة أمام الاتفاق النووي..


لذا لم يكن الانسحاب الترامبي مقدمة لسيناريو حافة الهاوية؛ الذي يبدأ بالعقوبات والحصار ومحاولة تغيير النظام من الداخل، ويمتد إلى استراتيجية " تفكيك الوكلاء" الإقليميين (حيث تحتل الساحة اليمنية موقع الصدارة لاختبار مناوئي طهران وقدرتهم على تقويض وتحطيم أذرعها الميلشياوية) ؛ بل كان تكتيكا رئاسيا ضمن " حرب الأعصاب السياسية" على منوال ما حدث مع كوريا الشمالية ، وعلى غرار ما يحدث مع أوروبا  .. إذ يستحوذ نسق التفكير التجاري على أداء ترامب السياسي ،وهو بذلك يميل الى عقد الصفقات الفجائية وإصدار القرارات الصادمة دون التزام القواعد السياسة التقليدية أو مراعاة المحاذير الاستراتيجية والتاريخية الأمريكية .


بالنسبة لليمن ، فقد أتاح مناخ التصعيد الإقليمي خلال الشهرين الفائتين هامشا معقولا للمناورة ، استغلته "القوات المشتركة اليمنية" عملياتيا للتقدم شمال الحديدة وصولا الى مطار المدينة ، والتوسع شرقا في ثلاث مديريات ريفية .. وحاولت الحكومة اليمنية استغلاله سياسيا لإقناع العالم بضرورة الحسم العسكري في الحديدة لاسيما بعد أن أقدم الحوثييون على تهديد ممرات الملاحة الدولية ، وقد كان لافتا التعاطي الدولي البارد مع تلويح الرياض بتوقيف نفطها المار من البحر الأحمر .. وهو متغير سياسي هام يؤكد أن حجم التعقيدات أصبح أكبر من قدرة المناورات..


الحوثي نجح باختبار "حجم الردود" عشية استضافته المبعوث الأممي بصنعاء ، لذا فإنه أبعد ما يكون الآن عن احتمالية القبول بأي عروض للتسوية بعد ان امتص الصدمة ، واستعاد ولو وهميا زمام المبادرة .. لكن ذلك لن يمنعه الاستثمار في الوقت من خلال هدنة يعلنها ويلتزم بها وحيدا لتخفيف تداعيات مغامرته الأخيرة في البحر الأحمر وتحسين صورته السياسية المكرسة كجماعة مارقة ،وأيضا لتلطيف الأجواء الإقليمية بالتوازي مع تصريحات الغزل الأمريكي لطهران.



 وبالطبع فإن استعداد ترامب للجلوس مجددا مع الإيرانيين - حتى وإن لم يفض إلى شيء - من شأنه أن يعزز حالة الجمود العسكري في الحديدة ، بل إنه قد يبدد هوامش المناورة مثلما بدد سابقا ممكنات الحسم ، وقد تعود "خطوط أوباما الحمراء" لتفعل مجددا مع الرئيس الحالي الذي ظل وفيا لها حتى يونيو الماضي ، قبل أن يغض الطرف عنها ... دون التحمس الشديد لتجاوزها..


في هذا السياق، يفهم تصريح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية ، أنور قرقاش ، والذي أعلن فيه استعداد بلاده التخلي عن المظلة الأمريكية في سبيل تحقيق أولوياتها الجيوسياسية بالمنطقة .. وتلك لغة سياسية غير معهودة خليجيا ، تعيد إلى الأذهان حالة التوتر التي سادت أواخر فترة أوباما ، لكنها هذه المرة تتجدد مع رئيس متقلب ومنفلت من أي ضوابط سياسية او مرجعيات استراتجية ، ولا ثابت لديه سوى رغبته الغامرة بالربح -ربح الانتخابات و الصفقات و الاموال - وإن كان على حساب مصداقية أمريكا وحلفائها التقليديين.

ملاحظة :
هذه المادة خاصة بالبعد الرابع يمنع نقلها أو نشرها بدون الإشارة إلى المصدر