البعد الثقافي

وعي المقاومة والرفض في شعر لطفي جعفر امان

الشاعر والأديب لطفي جعفر أمان

الجمعة - 15 ديسمبر 2017 - الساعة 09:40 م بتوقيت اليمن ،،،

د. شهاب القاضي ، باحث وناقد


                                                              
                                               
                                              
                                        
                                                 
( ومتى كنا عبيد ؟ )*...بهذا السؤال ، بهذا الاستفهام الاستنكاري ، يلون الشاعر الكبير لطفي جعفر امان( 12 مايو  1928م _ 16ديسمبر 1971) تجربته الشعرية في كل مجموع متنه الشعري تقريبا ؛ رفضا لكل اشكال العسف والاضطهاد والظلم الاجتماعي والسياسي للافراد والجماعات ، ويدعو للمقاومة والانتفاض والرفض والانتصار لقضايا الانسان ولقضايا الشعوب . وبالذات شعب الجنوب ، لشعبه وبلاده ، الذي منحهما اخلاصه فتغنى بالطبيعة والانسان ونافح الظلم وقواه المستأسدة من الاستعمار وازلامه المحليين الذين زرعوا في الناس قهرا ؛ فكم قتلوا وكم جرحوا وكم ابكوا  وكم شردوا ..وكم ..وكم .وفي يوم الاستقلال الوطني للجنوب وخروج المستعمر البريطاني ، ماغنى شاعر ، كما غنى لهذا اليوم المجيد ، الشاعر الخالد ابن عدن لطفي جعفر امان. 

تحرر شعبي ..ففي كل بيت 

ترف نجوم ..ويورق بدر 

وفوق شواطئنا الراقصات 

مع النور ..فاض من الخلد فجر 

وضم مراعينا والحقول 

جناح غمير العبير اغر 

وحتى الشياه تكاد تطير 

وتشدو بحرية .. لا تقر 

وحتى الصحارى كأن الربيع 

حواها ..وزينها .. فهي خضر 

فضائي حر .. وطيري حر 

وقلبي حر .. وشعبي حر 

اجل .. قد صحونا .. لاول مرة 

لنحيا الحياة .. لاول مرة 

                        بلادي حرة.


احاول في هذه العجالة ان اتلمس في شعر لطفي جعفر امان ، وعي التميز ، في الرفض والمقاومة واكتناه مساراتها في بعض قصائده من دواوينه ، والتي عبر فيها عن رفضه ومقاومته للظلم الاجتماعي والسياسي  والحث على مواجهة الضعف والخنوع والتخلف ورفض الوجود الاستعماري والدعوة الى مقاومته :  


في مواجهة الظلم الاجتماعي : 


تظهر قصائد لطفي جعفر امان في مواجهة الظلم الاجتماعي باشكال مختلفة من اساليب التعبير الشعري ، وتجدها متناثرة في دواوينه على سبيل المثال لا الحصر : طفل متسول ، صفية الصنعانية، العمال وغيرها . فموقف لطفي الفني والفكري كل لا يتجزأ . فكما تجده ناقدا للاوضاع الاجتماعية ، تجده ناقدا وله موقف مستقل من قضايا شعبه وقضايا العروبة والانسانية بعامة...يقول في قصيدة طفل متسول : 


في وجهك المحزون ياطفلي الصغير 

وطني الكبير 

وطني باوسع منتهاه 

وطني المعذب في حماه 

في وجهك المحزون ياطفلي الصغير 

ياجرح اغنية حزينة 

جشأتك احشاء المدينة ...

ان شاعرنا يرفض هذا الواقع ، يدينه بكل قوة ويصرخ في الطفل : 


لا ياصغيري خيرات ارضي لم تكن ابدا قليلة . 

ولكنها المدينة ، عدن التجارة والاسواق ولغة المال والادارة الاستعمارية التي مافتئت تنهب خيرات الوطن وتسحق الانسان وهذا هو ماصنعته مع صفية الصنعانية التي قدمت الى عدن بحثا عن زوجها الا انها تاهت في شوارع عدن وضاعت : 

..."ياعم ياجمال " 

ياسائق الاحلام والامال 

لعدن الزهراء 

خذني معك 

خذني هنا حملا من الاحمال 

لن اتعبك 

ياعم ياجمال 

في عدن الزهراء لي زوج حلال 

خذني معك 

خذني معك !


...كذخائر الدنيا اذا انفتحت سخية 

عدن الغنية 

سكبت مفاتنها المرجية الثرية

وهناك ..في ترف العمارات السنية 

وقفت صفية 

تتخطف الاضواء لفتتها الحيية 

وعلى ملامحها الطرية 

صنعاء حية


...يامحسنين ..

لله ....من باب لباب 

راحت تجر جمالها الوضاء في اوج الشباب 

وهناك في كنف " المقاهي" واصطخاب العابثين 

الظامئين الى الدم المبذول في شبق لعين 

راحت تغني في افتتان 

وتهز اردافا حسان 

" اخضر .. جهيش ..مليان " 

ويثيرها طرب الحياة 

فتهز اردافا ..وهات 

" ياقاطفين القات"

القصيدة نقد مؤلم لواقع اجتماعي ، مازال غارقا في وهاد التخلف ، في نظرته للمرأة ، واستغلالها جسديا وسحقها معنويا . وقد تفوق شاعرنا في وصف تلك المأساة وقدم صورة ادانة للعلاقات الراسمالية والتجارية في عدن ولقيمها الاستهلاكية المزيفة التي تغمر الانسان والمجتمع بشبكة من العلاقات التي تشيئه  وتحيله الى سلعة . 


في مواجهة الاستبداد السياسي :


كانت شخصية الشاعر لطفي جعفر امان ، شخصية متعددة الابعاد ، فهو الشاعر والناقد والموسيقي والفنان التشكيلي والمترجم والتربوي القدير ، وكان في كل ذلك له رؤيا خاصة الى الوجود والانسان ، فلم يعرف ماشاع عن الانفصام في المواقف بين المثقفين ، او مانسميه بالشيزوفرينيا للمثقف في البلدان المتخلفة ، الذي يظهر غير مايبطن ، والذي تتلون مواقفه بحسب الحاجة والمناخ السياسي .. فقد كان شاعرنا ضد الظلم وضد الاستبداد السياسي واشكال الحكم المتخلفة. وقد ظهرت في العديد من قصائده على سبيل المثال لا الحصر : الدكتاتور، وغير ذلك من القصائد المبثوثه في اعماله الشعرية الكاملة . يقول في قصيدة الدكتاتور والتي اهداها الى " الحاكمين بلا دستور ولا قرآن _ الا بالسيف والسجان : 

انا لا اراك 

ضعفي عماي ..فلا اراك 

وانت تزحف في قواك 

عمي الضياء

وجثتي الملقاة ترجف من خطاك 

في القيد 

في ذلي الذي ألهته في كبرياك 

ابدأ احسك في دماي لظى 

فاصرخ : لا اراك 

انا لا اراك.!

وفي تحولات القصيدة ، وهي قصيدة طويلة ، وفي مقطعها الاخير . يتم الانتفاض على  الدكتاتور بعد ان تتوحد الارادة وتحدث الافاقة وينتهي الضعف والعمى وتستبدل بالقوة والابصار والرؤية  : 

لما يفيق اخي 

وينفض سكرة الحلم المطيف 

لما يبدد كوخنا المنبوذ 

اعصار عنيف 

لما نجازف في الظلام 

ونقحم الدرب المخيف 

ويدي تشد على يديه 

في ارتعاشات السكون 

بقوى من البعث الجديد 

تضج ..توغل كالمجنون 

قلبين موتورين 

يجتاحان اسوار المنون 

ساراك تزحف في قواك 

فلا ابالي من تكون 

سأصيح _ لكن صيحة البطش 

بلى . ! إني اراك 

إني اراك !


إني اراك ..إني اراك ...هنا قوة الشعب ، هنا قوة التغيير ، هنا الوضوح ، هنا شمس الانتصار .


رفض الضعف والخنوع : 


من السجايا والصفات التي يتمتع بها شاعرنا الكبير لطفي جعفر امان ، انه كان مثقفا موسوعيا ، جمع الثقافة من اطرافها ، فهو متفقه في تراث الامة الادبي والفكري والثقافي ومتبحر في الادب والثقافة الاجنبية الاوربية، لذا لاغرابة ان نجده مثقفا ينبو عنه التخلف وضيق الرؤية، انه يرفض ذلك  ويرى اليهما سببا لتأخرنا وتخلفنا فنحن ان لم نتغير انما نحن مجتمع من الموات... هذا التنويري العظيم ، الشاعر الجهبذ ينافح ويكافح ضد الضعف في العديد من قصائده ، على سبيل المثال لا الحصر : قصيدة ثورة البركان ، ليل الى متى ، الطائر الجريح ، رياح ، لا ضعف . وغير ذلك من قصائده الرائعة التي ينبذ فيها التخلف والجهل والكسل وينحاز للانطلاق والابداع والمبادأة..نقرأ في قصيدة ثورة البركان : 

على سفح "شمسان" تجثو قبور 

وفي شط "حقات" تغفو قبور

وفي ربوة "العقد" تربو قبور 

                  اهذي حياة ومن حولنا 

              قبور قبور ..وناس قبور

....

اذا الريح طوعي لسخرتها 

اذا النار ملكي لاضرمتها 

وهذي الجبال لفجرتها 

                براكين تسحق هذي القبور 

                    فازهو بأني حطمتها 

ثم يلتفت الى نفسه ويعبر عنها بصيغة الغائب ، ويجعل من الحقيقة : التقدم  والحرية صنوان لا يتحققان الا في البلاد الحرة : 

يثور ..يثور.. ويسكب شعره 

جداول نار .جداول ثره

لينبت في الارض ..في كل ذره 

                    شعاع الحقيقة يرقص حرا 

                    كاي بلاد على الارض حرة 


الشاعرلطفي امان ..في موكب الثورة والاستقلال : 


قصيدة في موكب الثورة للشاعر الكبير لطفي جعفر امان ، هي بين تلك الاعمال الابداعية الحقيقية التي كان موضوعها حدث الاستقلال الوطني للجنوب ...ولكن بسبب المقدرة الابداعية الهائلة لشاعرنا ، اصبح معنى الاستقلال الوطني فيها كحدث تاريخي سياسي مجيد ، عبارة عن بناء فني وتحديدات ابداعية خلاقة ، حاول فيه شاعرنا الكبير تقديم الاستقلال الوطني كحدث متموضع تم انجازه في 30 نوفمبر 1967 الى مفهوم يؤطر معاني الحرية والعدالة والكرامة في نسيج الشخصية الجنوبية، بحيث لا يمكن ان نتحدث عن الحرية الا ان نتحدث عن الانسان في الجنوب بكل محدداته التاريخية ومشاغله وهمومه . وقد تضمنت القصيدة سفر النضال والكفاح ضد المستعمر منذ استيلائه على عدن بالقوة وحتى خروجه منها ومن الجنوب ككل بالقوة ، وحينها غنى لطفي والفنان الكبير احمد قاسم وغنينا معهما : 


وهكذا تبددا 

عهد من الطغيان لن يجددا 

وحلقت على المدى

ثورتنا ...تهتف فينا ابدا 

ياعيدنا المخلدا 

غرد

فإن الكون من حولي طليقا غردا 

غرد على الافنان في ملاعب الجنان 

الشعب لن يستعبدا 

قد نال حريته بالدم والنيران 

وقتل القرصان 

.....
* من قصيدة له : صرخة المجد التليد 
من فم الطود العتيد 
هي نار وحديد 
نفثت رعب الفناء 
قل لهم من ذلنا 
  ومتى كنا عبيد ؟!