أخبار وتقارير

 «البعد الرابع » يحلل أبعاد وتداعيات أزمة الجزيرة  ..«سقطرى » جولة ثالثة من الصراع

الأحد - 06 مايو 2018 - الساعة 11:37 م بتوقيت اليمن ،،،

البعد الرابع :خاص





دخلت أزمة سقطرى منعطفاً اشد حدة وغموضا ،بعد ان تعالت اصداءها عالياً خلال اليومين الماضيين ، وعجزت الوساطة السعودية عن تدارك تداعياتها واطفاء حرائقها المستعرة . المؤكد هو ان ما يدور حالياً بالجزيرة ليس مجرد ردود افعال أمنية للقوات الاماراتية ، او "يقظة وطنية" للحكومة الشرعية ، بل هو فصل جديد في مسلسل الكباش السياسي المستمر داخل معسكر التحالف والشرعية.

بعبارة ادق ، هي جولة ثالثة من المواجهة المفتوحة بين أبوظبي وحلفائها و بين الشرعية وممثليها .وبعد أن انتهت الجولة الأولى في عدن بتفوق ابوظبي والانتقالي ، والثانية في تعز بتعادل الطرفين ، تسعى الشرعية الى كسب الجولة الثالثة بتكثيف حضورها الرسمي في الجزر عوضا عن العاصمة لإحراز نقاط إضافية تعوض تأخرها في المضمار السياسي الذي تقدم فيه لاعبون جدد من ابرزهم  المجلس الانتقالي ، والعميد طارق صالح .

وفي سقطرى تداول طرفا الازمة سرد حيثياتها ، الشرعية كان لها خطابيين : الاول غير رسمي تبنى ثنائية الاحتلال والسيادة وادعى ان اعضاء الحكومة يمكثون تحت الاقامة الجبرية ، وان رئيس الجمهورية يفكر جديا بتعليق المشاركة الاماراتية ضمن قوات التحالف العربي بعد ان فشلت جهود الوساطة السعودية . وقد ترافق ذلك مع حملة اعلامية جرى التحضير لها بعناية محلياً واقليمياً.

 اما الخطاب الرسمي للحكومة فقد كان اكثر واقعية ووضوحا: اتهم ابوظبي بالوقوف خلف التوتر الحاصل بالجزيرة بعد ان استجلبت قوات تابعة لها الى المرافق الحيوية وطالبت القوات الرسمية بالمغادرة ، ووصف اجراءاتها الاخيرة بغير المبررة ، كما عمل على توصيف جوهر الازمة باعتبارها ناتجة عن خلل عميق في علاقة الشرعية بالأمارات.

وهو ما أكد الصحفي والمحلل السياسي نشوان العثماني في تصريحه لــ"البعد الرابع" الذي جاء فيه :التحالف والحكومة داخلياً غير متجانس ، والهدف اليتيم الذي يجمع الطرفان بحسب العثماني هو خصومة جماعة الحوثي .

ويقول العثماني أن الحكومة الشرعية تعيب على الأمارات إنشائها سلطة موازية سعت للسيطرة على المفاصل المهمة في العاصمة المؤقتة ، كالموانئ والمطارات والمنافذ البرية، وهذا بحسب نشوان السبب الرئيسي الذي دفع أبوظبي لتشكيل هذه السلطة الموازية يعود إلى العلاقة الجامعة حالياً بين الحكومة وحركة الإخوان المسلمين .

وفي الجانب المقابل اعتبر حلفاء ابوظبي بان زيارة الحكومة للجزيرة وتصعيدها الاعلامي والسياسي هو "المستفز وغير المبرر" ، وفي تصريح خاص للبعد الرابع قال "احمد سالم" رئيس المجلس الانتقالي في المحافظة ان "الحكومة تعمل على نقل الصراع إلى الجزيرة التي ظلت في منأى عن أي صراعات سياسية طوال العقود الماضية" ، معتبراً تواجد الحكومة اليوم في سقطرى جزءاً من المشكلة  .

وفي معرض دفاعه عن الامارات قال سالم " ان المشهد السقطري ملتهب نتيجة الغياب الحكومي وعدم تمكن الدولة من عمل أي مشاريع تنموية ، بعكس الحضور الأماراتي الذي شمل مختلف القطاعات  وامتد حتى بناء المدن السكنية ، والمشاريع الرياضية وغيرها ".

مصادر متقاطعة قالت للبعد الرابع ان الحقيقة هي مزيج من الروايتين ، اذ ان الجانب الاماراتي اعتبر زيارة الحكومة رفيعة المستوى الى سقطرى ،من دون التوصل الى تفاهمات نهائية بينها وبين الانتقالي ، انما يمثل محاولة صريحة لنقل الصراع من المركز الى الاطراف ، وهذا الخوف عززه تحركات علي محسن الاخيرة ولقاءه بعدد من قيادات السلطة المحلية والعسكرية في مدينة سيئون .

لذا فقد استبقت الامارات أي منافسة سياسية بتعديل موازين القوى العسكري واستجلاب مزيد من الآليات الثقيلة الى الجزيرة ، والتلويح بخيار "النخبة السقطرية" على منوال باقي المحافظات الجنوبية ، مع ان الامارات عملت خلال الفترة السابقة على تدريب  600 جندي سقطري جرى دمجهم في قوام اللواء الاول مشاء بحري المرابط في الجزيرة .

 لكن المخاوف المتبادلة انهت حالة المساكنة الاماراتية-الحكومية في المحافظة والتي كانت قائمة على ركيزتين : التزام الامارات بالتواجد عسكريا من خلال قوات الشرعية وليس من خلال قوات موازية ، وفي المقابل إتاحة المجال السقطري امامها للتواجد انسانيا ومدنيا دون تهديد نفوذها الجيوسياسي من قبل الشرعية.

لكن هذه المعادلة اختلت بشكل درماتيكي من كلا الجانبين ، وهذه المرة عملت الشرعية على دفع الصراع نحو حافة الهاوية نظرا لقوة موقفها السياسي ، وقد حرص بن دغر مبكرا على استقطاب القوى الفاعلة في الجزيرة بهدف تزخيم زيارته؛ وبطبيعة الحال كان حزب الاصلاح الذي يتواجد هناك من خلال جمعية "سقطرى" وجمعية "الاحسان" ، سباقا الى تقديم الهدايا الشعبية لرئيس الوزراء وقد نظم لتأييده مظاهرة نسائية كما انه استنفر كل الته الاعلامية لتغطية المشهد وتكفل بذلك حزب الإصلاح آلد غرماء أبوظبي ، ومن جهة اخرى ذهب بن دغر بنفسه الى عقد لقاء مع قيادات حزب المؤتمر في الجزيرة .

ومقابل ذلك تقف الامارات وحيدة مع هلالها الاحمر و المجندين الستمئة الموليين لها ، وهي تعلم يقيناً ان زيارة بن دغر لن تكون "تفقدية" ، بل هي زيارة تحضيرية لفتح جبهة جديدة يمارس من خلالها ضغط سياسي واعلامي اكبر على ابوظبي . ولا يستبعد ان يتحول الضغط الى مواجهات مسلحة ، فرئيس الوزراء لم يقرر في عشية وضحاها دعم الجانب الامني والعسكري بمشاريع تصل قيمتها الى 700 مليون ريال يمني ، كما حدث  صباح اليوم الاحد.

ويبقى مستقبل الازمة مرهوناً بحجم ونوع التدخل السعودي وقدرته على تبريد الاجواء او حسم الصراع ، وهو ما يجب ان يحدث لأجل مصلحة الجميع ومصلحة الجزيرة قبل كل شيء . فلطالما وصفت سقطرى بانها "النعيم المنسي" ، وحين تذكرها الجميع بدأت تتصاعد منها وعليها شرارات النزاع.