ادبــاء وكُتــاب


الأربعاء - 17 يونيو 2020 - الساعة 03:33 م

كُتب بواسطة : احمد المعمري - ارشيف الكاتب



صباح الخير صباح الذكريات العبقة .
عن حيس أتحدث ، في الطريق الى الجراحي أو السير الى كرم حاتم الطائي ...سبعينيات القرن العشرين .
رحلة الجراحي الأسطورية الباذخة ... هي رحلة مدرسية لأطفال ولكنها حفرت في الذاكرة .
الجراحي تقع شمال حيس بينهما 25 كيلو متر بالتحديد .
تغادر حيس متجها شمالا يقابلك الجسور المرتفعة والمسطحة التي بناها الروس في ستينيات القرن العشرين أثناء إصلاح طريق الحديدة تعز وأول قرية تقابلك هي قرية بني بيش هذه القرية التي هي على مقربة من مثلث حيس العدين جبل راس هذه المنطقة من أكثر المناطق التي تضررت من الاشتباكات والحروب والصراعات المسلحة 2017 حتى الأن .
هجرها أصحابها وكثير من القرية صارت أطلال ...على الضفة الأخرى منها غربا باتجاه الساحل قرى وقبائل وعزل كثيرة منها بني مغاري المأهولة بالسكان والتي نالها من الموت والدمار نتاج الحرب نصيب وافر أيضا وفي هذا الاتجاه (غربا ) الدنين المنطقة التي كانت تغذي حيس بالمياه وتم تدميرها وفي هذه المنطقة كان هناك مزرعة نموذجية لأسرة نموذجية هي مزرعة ناصر الحضرمي وعبده ناصر حضرمي كان زميلي من الصف الأول الابتدائي حتى انقطاعه عن الدراسة رحمة الله تغشاه ...كان يحي ناصر حضرمي رحمة الله تغشاه الابن الأكبر لصاحب المزرعة مداوم في المزرعة ويعمل بجد واجتهاد اثناء حياة والده وبعد وفاته ...كان فيها حدائق وأشجار وبساتين وأشجار معمرة وفي سبعينيات القرن العشرين كان يحيط بحيس عشرات المزارع من الشرق والغرب والشمال والجنوب ولكن كانت مزرعة ناصر حضرمي مشهورة وفي كمب حيس كانت مزرعة أنعم غيلان الشرعبي وفي الطريق الرابط بين كمب حيس والمدينة مزرعة نموذجية هي أيضا مزرعة الشرعبي لكن شرعبي أخر توفاه الله (كل أو جل مزارع حيس صارت أثرا بعد عين ) وابن اخ هذا الشرعبي الذي ذكرته البارحة وقلت أنه من ولد لدي الشغف للقرأة والاطلاع وحب المعرفة وهو الأستاذ محمد عبده الشرعبي وأتمنى من الله أن يكون مازال على قيد الحياة لأراه واقبل راسه ويديه نظير صنيعه معي .وإن كان هنا من يعرفه ويرشدني لطريقة للتواصل معه سأكون من الشاكرين .
والأستاذ محمد عبده الشرعبي كان يملك محل لمواد البناء في عمارة الطاهر عثمان حمنه التي بالقرب من مدرسة النهضة القديمة والمقبرة ومحل زميلنا المرحوم زكريا محي الدين .
المهم بعد أن تغادرك حيس المدينة والكمب يقابلك الجسر السطحي ومن هذا الجسر تتجه شرقا صوب جبل راس وخاصة المرير والقهراء ...المرير مركز مديرية جبل راس التي وعدتكم أحدثكم عنها يوم ذكرت لكم حكمة من جبل راس (يأكلني الذئب ولا تلحسني البقرة ) والقهراء ستكون محط حديث عن حروب الجبهة الوطنية الديمقراطية بقايا ذكريات طفل .
بعدها تأتي بيت الحشاش وغربها أي غرب بيت الحشاش مركز حضاري مندثر هو الحمينية وكما يروي بعض مثقفي حيس والجراحي أن الشعر الحميني في اليمن ينسب لهذه المنطقة ...بعد بيت الحشاش شرقا تأتي منطقة الجلادة ولها صلات بحيس .
إداريا أعتقد أن الجلادة تتبع الجراحي وانتخابيا (عندما كان هناك انتخابات وديمقراطية ولو شكلية ) تتبع حيس
بعدها يأتي مفرق هيئة تطوير تهامة وهو طريق فيه جغرافيا وتاريخ وأقتصاد ...كيف؟
هذا الطريق هو الذي يوصلك الى بلاد الأشاعر موطن الأشاعر المشهورين تاريخيا ومنهم الصحابي الطيب الذي غدر به القرشي في حادثة التحكيم أقصد رجل الدنيا وعاشقها عمرو بن العاص ومن الأشاعرة الفيلسوف وعالم الكلام المشهور جدا أبو الحسن الأشعري وهو المعتزلي الذي غادر الاعتزال وأسس مذهب الأشاعرة الذي يعده أهل السنة بإنه مذهبهم الكلامي ...وفي هذا الاتجاه وادي زبيد الذي أشتهرت به مدينة زبيد وحاضرة بني زياد وبني نجاح والرسوليين العظماء وشرق الجراحي والطريق الى العدين ومنها طريق الى جبل راس العليا وهو طريق الى أب وفي هذا النطاق الجغرافي حاجز مياه مشهور في وادي زبيد يطلق عليه معاذ بن جبل نسبة للصحابي اليماني الشهير الذ ارسله النبي عليه الصلاة والسلام لتعليم اليمنيين الدين من عبادات وتشريعات والأهم أنه يحتوي على المزارع النموذجية لهيئة تطوير تهامة التي كانت من العلامات الحضارية ومن المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الجمهورية العربية اليمنية وهيئة تطوير تهامة كانت أرض خصبة لليسار سواء اليسار القادم من تعز أو اليسار التهامي في (زبيد والجراحي وحيس .) ومنهم المرحومين الأستاذ عبد العزيز جرندل وعلي الهجان رحمة الله تغشاهما .طبعا معلوم لدى الجميع أن الدكتور المرحوم عبد الكريم الإرياني كان أول رئيس مجلس إدارة للهيئة وجاء من بعده مهندسين كثر (د الارياني يحمل دكتوراه في الاقتصاد الزراعي ).
كانت هيئة تطوير تهامة مؤسسة اقتصادية وحضارية وبحثية وتعليمية عملاقة وفيها أكثر من ستة مواقع في زبيد والجراحي وشرق الحديدة ...وأصبحت من أكبر مؤسسات اليمن وأكبر مؤسسة في تهامة ...
ويلي الجراحي زبيد وبين زبيد والجراحي عشرة كيلو متر بالدقة ...
أي مجموع المسافة بين حيس وزبيد 35 كيلو متر
ست سنوات أو ستة أعوام دراسية ونحن نسافر كل صباح ونعود كل عصر أو مساء نذهب من حيس الى زبيد ونعود من زبيد الى حيس ...سبعون كيلو متر يوميا .كفاح في طلب العلم كونه لاتوجد مدرسة اعدادية ولا ثانوية في حيس في ذلك الزمان .
على كل حال ذلك السفر اليومي الشائق والشاق سيأخذ حيزا كبيرا من ذكريات تلميذ / طالب ورفاقه ...ولكننا مازلنا في بواكيرالصبا وذكرياتها الجميلة .
ذات صباح من سبعينيات القرن العشرين نظمت إدارة مدرسة النهضة الإبتدائية رحلة لطلاب الرابع والخامس الإبتدائي الى الجراحي ويالها من رحلة لم تفارق ذاكرتي وهي من أهم الذكريات التي تصنع سعادة حقيقية في جوانيتي ...سردت هنا سابقا وفي الصحف الورقية كثيرا عن تلك الرحلة ولن أكل ولن أمل في ترديدها ...وعن الرحلات الترفيهية التعليمية كنشاط غير صفي أتحدث وسأتحدث .
المتابع لما سيرد هنا اليوم قد لايصدق وقد يندهش وقد يتهمنا بالمبالغة وقد يذهل ولكن العاقل هنا من سيبحث عن تفسير لتلك الحالة التي كانت تجري ...لم كان الأطفال في مدرسة الجراحي كرماء الى هذا الحد .(في 2014 عندما كنت مشرفا على اختبارات الثانوية العامة في م الحديدة ذهبت الى تلك المدرسة وانا دامع القلب فرحا وكنت اتلمس جدران تلك المدرسة بحنين جارف لسنوات الطفولة وتلك الزيارة ...وكنت أتمنى أن أعمل شيئا ولكنها أمنيات ظلت وظلت أمنيات أمنيات يجاورها التحسر ويحيط بها شعور بالعجز ...كنت أتمنى أن أقدم محاضرة ...أمسية في الجراحي لأحدث جيل اليوم عن تلك الأيام من سبعينيات القرن العشرين ...
كان كرم الناس هنا ليس عن قدرة وبذخ وأستطاعة ولكنه كرم النبلاء ...
لم يكن الناس أثرياء ولكن كانت أرواحهم غنية .
ورغم أن سنوات سبعينيات القرن العشرين كانت سنوات فقر ومجاعة نعم مجاعة فمازلت أتذكر أحاديث الناس عن الذين يموتون جوعا من شدة الفقر والعوز ولكنها كانت سنوات بساطة وحب بين الناس .
لا أتيه بكم تحركت السيارة (التوتا ) هكذا يطلق عليها الكثير من الناس وهي (التويوتا ) وهي مرحلة ماقبل الهايلوكس أو أن الهايلوكس الجيل المطور (كانت هايلوكس غمارة ) كنا محشورين فيها ونردد أناشيد ونصفق وكأننا ذاهبون الى قرطبة أو برشلونة أو أروع مدينة أو أنبل جغرافيا في العالم وفعلا كانت كذلك ...
وصلنا الى المدرسة اقيم طابور استقبال والله إني لتدمع عيناي شوقا لتلك البقاع ولذلك الزمن الجميل ...
أنتهى طابور الاستقبال وجاء ما كنت أحدثكم عنه بإنه كرم أسطوري ...كان الطلاب مستعجلين لأخذ زملائهم القادمين من حيس الذين هم نحن ومازال عالقا ذلك المشهد في ذاكرتي ومخيلتي ...الاطفال أخذوا ضيوفهم وبقي أطفال / تلامذة من الجراحي لاضيوف لديهم ...أنفجر أحدهم باكيا وساد الغم معظمهم ولما أقترب المعلم من ذلك الطفل ليسأله مايبكيك قال ماحصلت ضيف وماذا سأقول لأبي وأمي ...بالله هل ستجدون كرما كهذا ؟
حاول المعلم أن يقنع بعض الأطفال الذين أستضافوا أكثر من طفل / زميل التنازل بزميل من حيس ليأخذه هذا الطفل الذي يرى أنه يستحيل أن يعود خالي الوفاض ولن يعود دون ضيف مهما كلفه الأمر ...إنه الكرم والنبل والروح التي كانت سائدة في ذلك الزمن .
ذهبنا مع رفاقنا واليكم بعض التفاصيل .
حفل استقبال أسري
يمنحوك ملابس جديدة وتغتسل وترتدي الجديد وكأنك في يوم العيد ....الله الله كم كانت تلك الأيام في غاية الروعة .
غداء باذخ (لحم وبر وسمن وعسل دباسي ومشبك وحلاوة ) ثم استراحة بعد الغداء ثم زيارة السوق وبعض أجزاء المدينة .
ثم يأتي وقت الإياب (العودة ) الى حيس قبل غروب الشمس وكثير منا قفلوا عائدين محملين بالهدايا كل حسب قدرة مضيفه .
عدنا ننشد ويحتلنا الفرح .وظل ذلك الفرح يحتل الحنايا ويرسم خارطة الروح .
.................
غدا أحدثكم عن الرحلة الى مدرسة النجاح والسلام ببيت االفقيه
والرحلة الى الخوخة .
وبقايا ذكريات عن مزارع حيس ورفاقنا ومنهم من قضى نحبه ومنهم من هو على قيد الحياة .
غدا أحدثكم عن قضايا في الحياة والتعليم ومعايش الناس وأسواق تهامة .
وقريبا نحلل ماهية الذكاء الانفعالي من وحي الرحلات وخاصة رحلة الجراحي .وكذا استلهام من التجربة الفنلندية المتميزة لتفسير أهمية الرحلات للتعليم
سأحدثكم عن مأساة الكهرباء في تهامة عامة وحيس خاصة مع الفارق بين الكمب والمدينة .
ربما من الضرورة أن نتحدث عن مزرعة المرحوم عمر حسين حيدرة التي كان يقال إنها من أكبر المزارع ليس في حيس فقط ولكن تهامة أيضا .
أتمنى من الاصدقاء والزملاء من حيس إمدادي بمعلومات حديثة ليكون للذكريات معنى وفائدة أكثر .
وغدا نلتقي على خيرباذن الله .
ولكم مودتي .