ادبــاء وكُتــاب


الأربعاء - 16 يناير 2019 - الساعة 03:05 ص

كُتب بواسطة : حمد الكعبي - ارشيف الكاتب



أول ما تذكّره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما أعلن في السادس من ديسمبر 2017، عن عزم الإمارات إرسال شبابها إلى الفضاء، كان بيت جده الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، بجدرانه الطينية، وحجارته المرجانية في الشندغة، على خور دبي.
يسرد سموه، في كتابه الجديد «قصتي»، البدايات كما هي الوثبة الأولى في السباق، ويتتبع اندفاع الخيول في المضمار، فالفوز لا يعني شيئاً، إذا لم يكن ملهماً لفوز آخر، ولا يمكن أخذ قسط طويل من الراحة على القمة، فثمة قمة أخرى، تنتظر الذين لا يتعبون من الصعود، وثمة منافسون، والحكمة لم تتغير: «المستحيل وجهة نظر، والعالم يفتح الأبواب، لمن يعرف ماذا يريد».
بهذه الرؤية، يكتب الشيخ محمد بن راشد 50 قصة، من نصف قرن، وهبه للعمل الوطني في الإمارات، ويستعيد ذاكرة غنية، تزدحم بالأشخاص؛ ملوكاً وزعماء، أبطالاً ورموزاً، عمالاً وبسطاء، كما يكتظ بأحداث، كان لها ما كان من خير وانتصار، كاتحاد الإمارات، أو كان لها ما كان من دمار وبؤس، كحرب الخليج، وغزو الكويت، وتصطفي روايته دائماً الإمارات، وكيف صنعت أحداثاً مغايرة، وقفزت من العالم النامي، إلى الابتكار والفضاء والطموح، فغيرنا «ليس أفضل منا»، ونحن «بشر يحركنا الإلهام أكثر من أي شيء آخر».
تحضر الطفولة في «قصة محمد بن راشد»، بما هي صور أولى في الحياة، تترك في الذاكرة نقوشاً غائرة، فربما هي أسباب لكل ما سيحدث في خمسين عاماً. فنتعرف على الطفل الذي رافق والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وتعلم منه أهمية الاقتراب من شؤون الناس، وعلى الشاب، وهو يتولى أول منصب قيادي، وعمره 19 عاماً، وكيف واجه الأزمات والمخاطر، وجنّب الإمارات صراعات المنطقة، ومآلات غياب العقل عن السياسة.
في الكتاب، الذي لا غنى لأبناء الإمارات، وبناتها عن قراءته، نجد أن كل ما نحن عليه من قوة وتفوق واتحاد، لم يكن سهلاً ومتاحاً، لولا أن منّا قائدين، مثل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمهما الله، جلسا في 18 فبراير 1968، في خيمة في «عرقوب السديرة»، بين إمارتي أبوظبي ودبي، وقررا قيام الاتحاد، وذلك يحدث فقط، عندما «يأتي قادة تكون أحلام شعوبهم أكبر من أحلامهم الشخصية»، ولذلك تستمر معجزة الإمارات.
تلك من القصص الـ50 في الكتاب، وعلى تنوع الروايات الذاتية والغيريّة، والمفاصل التاريخية، والجوانب الإنسانية الحميمة مع البحر والصحراء والخيول، ظلت ذاكرة الشيخ محمد بن راشد تلتقط في أكثر من 300 صفحة، أربع شخصيات بدت عميقة التأثير فيه طفلاً فشاباً وقائداً، وكان يأتي على ذكرها في سياقات مختلفة، على الرغم من سرده لها في قصص مستقلة، الشيخ زايد، والجد الشيخ سعيد، والوالد الشيخ راشد، والأم الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان، فهذه الشخصيات شكّلت وجدان سموه، وظلت حاضرة في وعيه، طوال سنوات عمره المديد في القيادة.
قصة «محمد بن راشد» ملهمة لنا جميعاً، فهي قصة الإنسان في الإمارات، وقد اختبر التحدي، ولَم يستسغ مذاق السهولة، ونظر إلى المستقبل، وكأنه يراه.