ادبــاء وكُتــاب


الخميس - 03 يناير 2019 - الساعة 03:21 ص

كُتب بواسطة : أحمد الواسعي - ارشيف الكاتب


 



 

مدينة الاغتيالات وكاتمات الصوت والسيارات المفخخة، هذه هي عدن كما تبدو في اعلام الحوثيين ومن يقف معهم من اطراف دولية واقليمية تسعى لتصفية حساباتها السياسية مع دول  التحالف العربي وتحديدا السعودية والإمارات من خلال استغلال الأزمة اليمنية وعبر أدوات عدة من بينها الترويج الإعلامي لفشل دول التحالف في إدارة الملف الأمني داخل مدينة عدن .

قبل أيام تزوج احد أصدقائي من مدينة صنعاء وسألني أين يمكن أن يمضي إجازة هادئة برفقة عروسه ،أجبته فورا وبدون تردد : اذهب إلى عدن ،استغرب كثيرا وأبدى تخوفه من ذلك ،قلت له لا تقلق يا صديقي ،تبقى عدن هي ثغر اليمن الساحر بحسابات جمال الطبيعة ،وبحسابات السياسة تظل هي الحالة المثلى لحالة اللادولة التي نعيشها في اليمن رغم ما يشاع عنها من انفلات امني.

 وبكل صدق تبقى المشكلة الحقيقية بالنسبة للمواطنين من الشمال فيما يتعلق بعدن هي تلك النقاط التي تتربص بهم على مداخل المدينة وتمنعهم من دخولها نتيجة الظروف التي فرضتها الحالة السياسية والأمنية التي أوصلتنا اليها الحرب .

إنما لو تكلمنا عن الوضع الأمني عموما في مدينة عدن وأنا هنا أتحدث كصحفي شمالي يقيم في عدن منذ ثلاثة اسابيع يبدو لي واضحا وجليا أن الوضع الأمني مسيطر عليه بشكل كبير ، اتجول في شوارع المدينة ليلا ونهارا واتنقل بين أحيائها وأزور شطآنها وابقى فيها اوقاتا طويلة ولم يحدث خلال ذلك أن تعرضت لحادثة ما أو شهدت عليها سواء من أشخاص ذوي دوافع عنصرية او ذوي دوافع جنائية وإرهابية ويعزز كلامي هذا حركة الناس الكبيرة داخل الشوارع وحتى ساعات متأخرة من الليل وإعادة افتتاح المراكز التجارية وانطلاق العديد من  العروض الفنية والمسرحية في مؤشرا واضح أن المدينة فعلا استعادت عافيتها .

ورغم الخلاف الواسع حول شخصية اللواء  شلال شايع واتهامه بدعم مشروع الانفصال والخروج عن شرعية هادي إلا أنه وبكل حق شخصية أمنية استثنائية استطاع و في غضون أقل من سنة أن ينتزع عدن من براثن الجماعات الإرهابية وأن يفرض سيطرة الجهاز الأمني داخل المدينة ، بغض النظر عن الأراء التي تتحدث حول تبعية هذا الجهاز الأمني فنحن هنا نتحدث عن الحالة الأمنية بشكل محدد وهذا ما يدركه الناس داخل المدينة و أعتبره من أهم اسباب شعبية شلال شايع .

فعقب خروج الحوثيين من عدن تصاعدت وتيرة نشاط التنظيمات المتطرفة داخل المدينة والتي استغلت حالة الفراغ الأمني لتفرض سطوتها على تفاصيل الحياة داخل هذه المدينة الساحلية المقدسة .

في لحظة ما ولأسباب تحتاج الكثير من البحث تحولت المدينة الى قندهار اخرى ،فعناصر التنظيم يتنقلون داخل المدينة في وضح النهار بالياتهم العسكرية رافعين اعلام تنظيم انصار الشريعة  ويداهمون جامعة عدن ليمنعوا التبرج والاختلاط حد قولهم ،وينفذون عمليات إرهابية مكشوفة لتصبح المدينة على قاب قوسين او ادنى من اعلانها إمارة إسلامية .

ربما ومن حسن حظ أبناء عدن وقتها أن استلم قيادة الجهاز الأمني اللواء شلال شايع الذي بادر فورا الى تدشين معركة مفتوحة مع التنظيم تمكن خلالها وفي غضون أشهر من تقليم مخالب التنظيم والحد من أنشطته وتوسعه وفرض قبضة أمنية حديدية وضعت التنظيم في مآزق .

لقد حاولت القاعدة استراد انفاسها والظهور مجددا عبر تنفيذ مجموعة من العمليات الانتحارية المتباعدة زمنيا و غير المهمة من الناحية الاستراتيجية لأهداف القاعدة ومستوى تواجدها السابق في عدن ،لكن هذه العمليات بدأت تقل وتنحصر حتى اختفت تقريبا وهذا مؤشرا واضح على ان القاعدة اصيبت في مقتل داخل عدن وفر أعضاء التنظيم باحثين عن ملاذات أخرى في أبين وشبوة وغيرها من الحواضن المركزية للتنظيم .

لا أريد هنا أن يفهم من حديثي أنني بصدد كيل المديح و التجميل لطرف معين ،فلا ناقة لي ولا جمل في عموم القضية وانما انقل ما لمسته وشاهدته وشهدت عليه ،فبعد ان كانت عدن على مقربة من إعلانها إمارة إسلامية تحولت الى ثقب أسود ابتلع كل عناصر التنظيمات المتطرفة وبيئة طاردة لأنشطتها منذ وصول اللواء شايع الى قيادة الجهاز الأمني وهذا ما حدث فعلا وتثبته كل الشواهد والمعطيات.

هي إذاً نظرة دقيقة وقراءة شخصية للمشهد الأمني داخل مدينة عدن ويبقى الهم الأكبر بالنسبة لنا كمواطنين شماليين  هو تسهيل حركة المرور والتنقل الى عدن لا سيما وان معظم من يسافرون الى عدن هم حالات انسانية تفر من شظف العيش في مناطق سيطرة الحوثيين بحثا عن رغيف الخبز او مسافرين الى خارج اليمن عبر عدن ، وبعيد عن كل الحسابات ربما حان الوقت لأن تدرك القيادات الأمنية في عدن هذه المشكلة وتباشر في علاجها فمهما حدث ويحدث وسيحدث فإن الإنسانية هي ما يجمعنا أولا .